لقاء الدوحة
لقاء المأزومين في الدوحة لا ينتج حلا وطنيا لأن أزماتهم فئوية لا وطنية، وأقصى ما يمكن الوصول إليه اتفاق يغلب المصالح الفئوية في انتظار أول مفترق طريق.
يجتمع في الدوحة خلال أيام جناحا السلطة فتح وحماس مع باقي الفصائل الفلسطينية تتويجاً للقاءات الحوار التي تمت بين فتح وحماس في بيروت واسطنبول، و التي تأتي وسط أزمات متتالية ومخاطر جمة ومفصلية تهدد مستقبل القضية الفلسطينية، من ضم القدس والاعتراف الأمريكي بها كعاصمة لدولة الكيان إلى ضم الأغوار وأجزاء كبيرة من الضفة إلى حملة التطبيع المسعورة والمتسارعة إلى غيرها من المخاطر التي من المفترض أن تكون الدافع الأساسي للقوى الفلسطينية لنفض غبار الانقسام وتشكيل حائط صد في وجه حملة التآمر على فلسطيننا، ولكن يبدو أن هذه المخاطر لم تعد المحرك الأساس لجناحي السلطة بل أصبحت في مرتبة متأخرة ضمن جدول أولوياتها أمام ما يهدد مصالحهما الفئوية.
قيادة السلطة في رام الله تستشعر أن الخطر الأكبر يأتي من الدعم الخليجي والأمريكي لمحمد دحلان وطرحه بديلاً أو خليفة لعباس كما أن الضغوط المالية تقف على الباب في ظل ايقاف الدعم الأمريكي حسب اتفاق أوسلو ووقف الدعم الخليجي نتيجة رفض السلطة لخطوات التطبيع التي نقلت العلاقات مع دولة الاحتلال إلى الضوء، ولا تؤخذ هذه المخاطر على محمل خطرها على المشروع الوطني وفي مكانها الصحيح ضمن أولوياته بل على تهديدها للمكاسب الشخصية والفئوية على ما يبدو عليه الحال.
هذا الاتفاق ينقل قيادة السلطة إلى مرحلة إعطاء الشرعية (ولو كان على سبيل المناورة) لحماس بعد أن كانت تسعى لعزلها ونزع الشرعية عنها، فلا بأس بهذا طالما أن من شأنه تأمين حيز أمان يبعد خطر الدحلان بل يجدد قيادة فتح للتمثيل الشرعي للفلسطينيين بما يقنع أيضاً المانح الأوروبي بأهمية استمرار الحفاظ على السلطة في وقت يتراجع فيه التمويل الخليجي والأمريكي، ناهيك عن مشاكسة الإمارات وغيرها التي ترى في الإسلام السياسي ومنها حماس عدوا دائما.
من جانب آخر، يمثل الاتفاق فرصة لحماس لاكتساب القبول الدولي الذي طالما سعت إليه ويؤمن لها موطئ قدم في منظمة التحرير ويحافظ على وجودها في التشريعي، كخطوة مهمة في انتظار ما ستنجلي عليه الأمور في الصراع الفتحاوي الداخلي ومرحلة ما بعد عباس و يجعلها وريثا محتملاً لفتح، لا سيما أن هذا الاتفاق سيخلص حماس من العبء المادي لإدارة قطاع غزة في ظل اشتداد الحصار على القطاع واجراءات الخليجيين لتجفيف منابع التمويل الشعبي لحماس والتردد الإيراني في الانفتاح المالي نتيجة العقوبات الاقتصادية عليها واختلاف الرؤى حول الأزمات الاقليمية.
لذلك يبدو الاتفاق بالرغم من تأثيره الكبير على الساحة الفلسطينية اتفاقا مرحليا في انتظار أقرب المحطات ليغادره من تسمح له الظروف في ظل أولويات كلا الطرفين، التي لا يبدو أنها متطابقة مع تطلع الشعب الفلسطيني إلى إنهاء حقيقي لصفحة الانقسام والاتفاق على برنامج نضالي موحد يتناسب وخطورة المرحلة.
الفصائل الفلسطينية الأخرى والتي تتبنى في أدبياتها هم إنهاء الانقسام لا تملك إلا التصفيق لأي اتفاق في ظل الارتهان لتمويل المنظمة وانعدام الرؤية لحلول وطنية تتجاوز أوسلو، و إن خرجت عن هذه القاعدة بعض القوى التي ستجد براءتها في إعلان تحفظها، رغبة منها في تجنب المسؤولية عن إفشال أي خطوة نحو الوحدة الوطنية.
ويبدو أن الحل السحري الذي تتمخض عنه اللقاءات هو انتخابات ولو بدت مجتزأة عما كانت قد نصت عنه سابقا اتفاقات القاهرة، والمطروح حاليا انتخابات مجلس تشريعي في غزة و الضفة- إن تمت - وطرح قائمة موحدة للانتخابات تضمن وجودا متفق عليه لفتح وحماس وتمثيلا رمزيا لبقية الفصائل او من يرضى أن يشارك فيها، وهذا ينقل الانتخابات من صفتها خطوة ديمقراطية إلى احتيال على الديمقراطية، بما يناسب المطالب الفئوية لا الوطنية وينزع أي شرعية عن دحلان، متجاهلين أن ما يسعى إليه الأخير هو شرعية دولية و ليست فلسطينية، وشرعية مالية في ظل حالة العوز المالي التي أوصلت السلطة ومشروع أوسلو فلسطينيي الداخل إليه، في وقت تتجاهل فيه القوى الفلسطينية ماهية المرحلة وأننا ما زلنا في مرحلة تحرير في وقت يسارع فيه من استطاع إلى جمع الغنائم فيما ظهورهم إلى جبل يترصد خلفه العدو، ليس من جهل للمخاطر بل تغليبا لمصالح ضيقة وحماية لمكتسبات شخصية وفئوية.