عن «مسرحية» الرئيس الأميركي
رغم أنه لم يكن الوحيد ولا الرئيس الأول من بين رؤساء الدول الذي يصاب بفيروس كوفيد 19، إلا ان الإعلان عن إصابة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأسبوع الماضي بالمرض، بدا مفاجئاً ومريباً كذلك، تبعته ورافقته تساؤلات عديدة، منها ما وصل الى حد البحث في سيناريوهات تنصيب الرئيس في حالة موت المرشح الرئاسي قبل فوزه او بعد فوزه وقبل مصادقة الكونغرس، وما إلى ذلك، وكان ذلك يعني ان البعض اعتقد بأن ترامب يمكن ان يموت بسبب المرض، بالنظر الى تقدمه في السن، فهو يبلغ الرابعة والسبعين من العمر، كذلك انه يميل الى السمنة، وما إلى ذلك، لكن المفاجأة الغريبة كانت في أنه قد أعلن عن شفائه في زمن قياسي، حيث لم يمكث في المستشفى اكثر من ثلاثة أيام.
كما أسلفنا لم يكن ترامب الأول ولا الوحيد من بين قادة الدول الذي يصاب بـ «كورونا»، فقد سبق وان أصيب رئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون بالمرض، في بداية انتشاره في شهر نيسان الماضي، أي قبل ستة أشهر، ورغم انه دخل المستشفى بعد عشرة أيام من الحجر المنزلي، إلا انه مكث في المستشفى اسبوعاً كاملاً، نقل خلاله بعضاً من صلاحياته كرئيس للحكومة الى وزير الخارجية دومينيك راب، ولم يخرج جونسون يروج لعلاج ما كما فعل الرئيس الأميركي، الذي ما ان غادر المستشفى حتى أعلن عن الدواء الذي تسبب في شفائه كما يعتقد.
توقيت إصابة ترامب بـ «كورونا» تثير شبهة ترتيب الأمر بشكل مسرحي ربما، ذلك انها جاءت بعد مناظرة مثيرة للجدل مع خصمه الديمقراطي جو بايدن، وقبل مناظرة نائبه مايك بنس مع المرشحة لمنصب نائب الرئيس مع بايدن، وكما هو معروف فإن طريقة مواجهة «كورونا»، والنتائج الاقتصادية الكارثية على الاقتصاد الأميركي، التي جرتها سياسة ترامب خلال العام الحالي، كانت سبباً واضحاً في استطلاعات الرأي، التي تشير الى أن فوزه بالولاية الثانية أمر غير مؤكد.
لم يتح المجال لبنس ان يتولى مهام الرئيس خلال مدة إقامة ترامب القصيرة في المستشفى، لكن اخبار شفاء الرئيس وخروجه من المستشفى عززت من الحملة الانتخابية للرجلين، فقد خرج ترامب عشية المناظرة بين نائبي المرشحين، ليعلن وفق تقديره هو، لا وفق تقدير المراقبين، فوز بنس بالمناظرة، وذلك ليمنح حملته قوة دفع تحتاجها بقوة في المعركة الحامية التي تقترب، وعلى الأغلب سيظهر مفعول تلك الواقعة بعد اسبوع، اي في المناظرة الثانية بين المرشحين الرئاسيين التي من المفترض أن تجري يوم الخامس عشر من الجاري.
حقيقة الأمر، ان ترامب وجد له عملا، بعد ان يتقاعد ويخرج من البيت الأبيض، وان كان كرجل ثري لا يحتاج للعمل، كما ملايين الفقراء الأميركيين، وهو ان يعمل كرجل دعاية لشركات الأدوية، فالإعلان عن الدواء الأميركي، قد يكون بهدف قطع الطريق على ما أعلنته روسيا قبل عدة اسابيع من التوصل للمصل المعالج، والذي كان سيدر في حال بقي الوحيد الموجود في السوق مليارات الدولارات على الخزينة الروسية.
كما كانت الصين قد اعلنت ايضا بأنها نجحت في التوصل لأكثر من مصل، وانها تنوي توزيعها على دول العالم خاصة الفقيرة، وهكذا يتضح بان الصراع على علاج «كورونا» يجري على قدم وساق بين الدول العظمى، لما له من تأثير حاسم في الحرب الاقتصادية المشتعلة منذ زمن.
وفي حالة ترامب، الأمر مزدوج، فهو من جهة جزء من الحرب الاقتصادية مع الصين وروسيا، ومن جهة ثانية، جزء من الحملة الانتخابية، التي لم تتحقق لها قوة الدفع الكافية باعلان اتفاقيتي التطبيع بين إسرائيل من جهة وكل من الإمارات والبحرين من الجهة الثانية، لذا فان ترامب سارع للرد على التساؤل المتعلق بتكلفة العلاج، التي يعجز فقراء الأميركيين عن توفيرها لمن يصاب بالفيروس منهم، بتقديم وعد انتخابي مسجل صوتياً على حسابه في تويتر، بتقديمه مجاناً وهو الذي يكلف 100 ألف دولار . فيما لم يغادر مخيلة ترامب الهاجس الصيني، ولهذا لم يفوت الفرصة أولاً لتكرار اتهامه خصم أميركا الاقتصادي بنشر المرض وتوعده بالعقاب فيما بعد، وثانياً بوعد الفقراء بالعلاج المجاني. كما تابع هجومه على خصمه الديمقراطي في الوقت الذي كانت تجري فيه المناظرة بين نائبه مايك بنس وكمالا هاريس نائبة جو بايدن، متهماً إياه بأنه متورط مع كلينتون واوباما بخيانة اميركا !
قد نكون قد بالغنا بالتشكيك في حقيقة إصابة ترامب وزوجته وعدد من موظفي البيت الأبيض بـ «كورونا» بعد مناظرة الثلاثاء قبل الماضي بين المرشحين الرئاسيين، لكن مما لا شك فيه أن حملة ترامب_بنس، قد جعلت من الاصابة والحديث عن العلاج، عنواناً للمَخرج من المأزق الانتخابي، فقد ركز بنس خلال مناظرته مع هاريس على هذا الأمر، متهماً منافسته في المناظرة بأنها تقوض ثقة الأميركيين باللقاح المحتمل ضد فيروس كورونا خلال ولاية ترامب.
هذا يؤكد ما نود قوله تماما، فقد ركز بنس على سياسة ترامب في مواجهة الفيروس، بادئاً بتكرار التهمة تجاه الصين ومنظمة الصحة العالمية، ثم شن هجوما على إدارة أوباما، وأشار الى تصفية إدارته للبغدادي.
من جانبها شنت هاريس هجوماً على الطريقة التي تعاملت بها ادارة ترامب مع «كورونا» واصفةً إياها بأنها أضخم فشل في التاريخ الأميركي، وهكذا كانت «كورونا» محور المناظرة بين المرشحين لنائبي الرئيس، فيما يبقى القول الفصل للناخبين في صناديق الاقتراع في الثالث من شهر تشرين الثاني المقبل.