نحو خطوات مطلوبة على الفور
مقالات

نحو خطوات مطلوبة على الفور

ما نشهده من تطوّرات متسارعةٍ على الساحة العربيّة لم يعد يثير الاستغراب أو الدهشة، بقدر ما أصبح واقعاً يؤثّر فينا شئنا أم أبينا، صحيحٌ أن القضية الفلسطينية حاضرةٌ بقوة في المتغيّرات الإقليمية، لكن هذه المتغيرات باتت تشكّل عامل ضعف وحتى هزات متتالية في أسس القضية الفلسطينية ومشروعيتها، وإن كانت رؤية البعض عكس ذلك لاعتبارات خاصة بهم.

صدمة الاتفاقيتين الإماراتية والبحرينية مع إسرائيل، كشفت عن مرحلة جديدة تم التأسيس لها ليس خلال ٣ أسابيع ولكن ربما خلال أكثر من ثلاثة عقود.. كثير من الخيوط كانت واضحةً، لكن معظمها كان خفياً، والسبب سيطرة الصمت وعدم المكاشفة تحت هيمنة مقولات تاريخية مثل التضامن العربي، ومركزية القضية الفلسطينية، والعدو المشترك، والاحتلال الصهيوني، والمقدسات الإسلامية وغيرها... كانت القيادات الفلسطينية مسترخية إلى حد لم تكن تتخيل معه أن تحصل هذه التطورات بهذه السرعة.

في الأسابيع الماضية وُضعنا أمام ضغوط نفسية وسياسية كبيرة، التصريحات الأميركية والإسرائيلية عن استعداد عدد من الدول العربية للمضي قدماً في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، حتى أصبحنا نعاني دواراً وغثياناً سياسياً... متسائلين: هل سيحدث ذلك فعلاً؟ ومن هي تلك الدول؟ ولماذا؟...

بنيامين نتنياهو وحليفه الأول ترامب يلعبان على رقعة شطرنج المنطقة دون منافس حقيقي، ونشوة الانتصار في عيني نتنياهو تؤكد أن ما حصل ليس انهيار سد التطبيع فحسب، وإنما خلق شراكات اقتصادية وعسكرية وأمنية لشرق أوسط جديد بمعنى الكلمة.. هذا الشرق الأوسط الجديد تحدث عنه اليسار الإسرائيلي في تسعينيات القرن الماضي من خلال عراب المصطلح شمعون بيريس، لكنه تحقق فعلاً على يد اليمين الإسرائيلي بانتصارات شبه مجانية، حُشرت فيها القضية الفلسطينية في الزاوية وربما كنوع من رفع العتب بحجة «نحن نحاول مساعدتكم وأنتم ترفضون».

لكن تظل الأمور على الرغم من صعوبتها وخطورتها محتملةً في ظل الموقف الرسمي للدولة المركزية في الخليج العربي ألا وهي المملكة العربية السعودية الشقيقة، هذا الموقف الذي تم التعبير عنه في خطاب الملك سلمان الأخير الذي أعاد فيه أسس الحل السياسي في المنطقة إلى مربعها الحقيقي القائم على المبادرة العربية التي هي سعودية في الأصل. مع التأكيد على الثوابت التاريخية السعودية بالنسبة للفلسطينيين.

الملاحظ وجود فجوة واسعة جداً بين المواقف الرسمية التي نتمسك بها، وبين هذا السيل من التحليلات والتعليقات ومقالات الرأي في الصحافة المحسوبة بالأساس على الرياض، وخاصة الفضائيات، نحن لا نريد الحديث عن وسائل التواصل الاجتماعي المخترقة أساساً من المخابرات الإسرائيلية التي تغرد برسائل عدائية للفلسطينيين ورسائل عدائية مضادة لخليجنا العربي، بحيث ينجر العامة إلى هذه الإساءات الموجهة إلينا وإليهم ، وفي الوقت نفسه كانت هناك شيطنة للموقف الفلسطيني الرسمي دون مناقشة أبعاده أو حتى لماذا هذا الموقف؟!!

في الأسبوع الماضي كان هناك تحول دراماتيكي يجب الانتباه إليه وأخذه بجدية، وهو تصريحات الأمير بندر بن سلطان رئيس المخابرات السعودية السابق والسفير في الولايات المتحدة لفترة طويلة، لقناة العربية السعودية التي بثت الحلقة الأولى، الإثنين الماضي، لتليها حلقات أخرى، انتقد فيها بشدة القيادات الفلسطينية، والموقف من اتفاق الإمارات والبحرين محملاً القيادة الفلسطينية المسؤولية عن الوضع الذي وصلت إليه القضية الفلسطينية حيث وصفها بأنها قضية حق مع محامين فاشلين!.

هذه التصريحات خطيرة، يجب التوقف عندها بجدية ودراستها بعمق لكيلا يحدث المحظور والأخطر.

القيادة الفلسطينية أمام مفترق سياسي خياراته مرّة وصعبة، لكنها أيضاً أمام إشارة توقف، ربما تكون فرصة للتقييم وترميم ما يمكن الحفاظ عليه سياسياً ودبلوماسياً وحتى أخوياً.

من هنا أصبح واجباً بحث مختلف المعطيات بصراحة وأخوية مع القيادة السعودية، حتى نصل على الأقل إلى الحد الأدنى المشترك، خلال الأسابيع الأربعة المقبلة لأنها تحمل كثيراً من المجهول، وهنا نتحدث عن الانتخابات الأميركية.

لا نريد أن نخسر السعودية، فهي الركيزة الأساسية للشرق العربي، ومن المؤكد أنها أيضاً لا تريد أن تخسر فلسطين وقضيتها العادلة.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.