قرار اتحاد المعلمين  بالتعليم عن بعد وجهوزية وزارة التربية ومسؤولياتها
مقالات

قرار اتحاد المعلمين  بالتعليم عن بعد وجهوزية وزارة التربية ومسؤولياتها

جاء في مقالي السابق " التعليم في زمن الكورونا:  محنة ام منحة؟"  والذي تطرق الى عدة محاور في محاولة لاستقراء الواقع، لتجاوز اي ازمة من الممكن ان تواجة عملية التعليم في فلسطين، وقد شمل المقال عدد من المحاور : القدرات الذاتية للمعلمين والعاملين في قطاع التعليم، قدرات الطلبة والطالبات والاهالي، استعداد الوزارة لتطوير منصة تعليم مواتية ومفتوحة للجميع بشكل مجاني، البنية التحتية للتعليم الالكتروني في فلسطين، تجارب الدول المحيطة في التعاطي مع الجائحة، الشراكات وشبكة الفاعلين على المستوى الوطني والدولي.

اليوم وعشية اعلان اتحاد المعلمين الى اعتماد التعليم عن بعد كخيار لاستمرار عملية التعليم في ظل الظروف الاقتصادية التي افرزتها المرحلة الراهنة نتيجة الانسداد السياسي الذي ادى الى عدم تمكن الحكومة الفلسطينية من توفير الرواتب بشكل كامل ومنتظم للموظفين العموميين.

تقف اليوم وزارة التربية والتعليم امام امتحان قاسي مابين المساومة على حقوق المعلمين ومطالباتهم " التي برايي الشخصي محقة" وبين التوجة الكامل لعملية التعليم عن بعد وهو ما كنا قد حذرنا منة سابقاً في ضوء ان الوزارة لا توفر المحتوى التعليمي المتكامل على منصتها، في حين كانت التحذيرات تعتمد على الوضع "الكوروني" والحالة الصحية العامة، الا ان الوضع الحقوقي و توفير  المتطلبات الاساسية لفئة واسعه من المجتمع الفلسطيني ادت الى الذهاب الى هذا الخيار بإرادة اتحاد المعلمين.

هل المشكلة تكمن في التعليم عن بُعد أم في خياراتنا

صانع السياسة هو من يعرف جيدا امكانيات وقدرات مجتمعه، فالتعليم الالكتروني عالم واسع وقد اتفق العلماء على تصنيفه الى نوعين خلال الجائحة، الاول وهو التعليم المتزامن حيث أن هذا النوع من التعليم الالكتروني يتم خلاله تبادل الدروس والموضوعات والابحاث والنقاشات بين المعلم والمتعلم في الوقت نفسه وبشكل مباشر، وذلك من خلال برامج المحادثة والفصول الافتراضية، وتعد من ايجابيات هذا النوع من التعليم حصول المتعلم على تغذية راجعة فورية والتواصل مباشرة مع المعلم لاستيضاح أي معلومة، ومن أهم ما يعيق استخدام هذا النوع حاجته الى اجهزة حديثة وشبكة انترنت قوية وشاملة، وثقافة تكنولوجية عالية لدى المجتمع، أما النوع الثاني التعليم الالكتروني الغير المتزامن هذا النوع من التعليم لا يشترط فيه أن يكون التواصل بين المتعلم والمعلم والمنهج في وقت واحد، حيث يختار الطالب الوقت المناسب لظروفه، ويتم الحصول على المعرفة والتواصل بين الطالب والمعلم من خلال دروس مسجلة بتقنية عالية وبحسب منهاج الدولة المعتمد، وتعد من أهم مميزات هذا النوع أن المتعلم يتعلم حسب الوقت المناسب له ووفقا لقدراته، ويمكن أيضا إعادة الدروس والوصول اليها على مدار اليوم. ومن أهم معيقات التعليم الالكتروني غير المتزامن أن الطالب لا يمكنه الحصول على تغذية راجعة فورية من المعلم ولا يمكنه استيضاح فكرة أو معلومة بشكل مباشر من معلمه لكنه يساعد الطالب على تنمية قدراته ومهاراته في التعليم الذاتي والبحث والاعتماد على الذات.

في معظم دول الجوار جرى الاعتماد في المرحلة الاولى من ازمة كورونا على التعليم المتزامن وذلك لعدم وجود جهوزية من حيث البنية التحتية والمحتوى الرقمي  وقنوات الوصول، وبعد انتهاء التعليم في تلك المرحلة كان التقييم من المعلمين والطلبة والاهل واغلب المؤسسات العاملة في القطاع بأن هذا النموذج (التعليم المتزامن) لا يراعي قدرات المعلمين والطلبة، ولا يراعي امكانيات الاهالي، ويزيد من فجوة عدم المساواة في الوصول للتعليم. ومن هنا عمدت العديد من الدول في المرحلة الثانية على استثمار كامل قدراتها ومواردها وشراكاتها مع القطاع الاهلي والخاص من اجل الانتقال لنموذج التعليم الغير متزامن وذلك من خلال  اتاحة المحتوى الرقمي على منصة الوزارة وإطلاق فضائية تعليمية، وبناء شراكات مع الشركات المزودة لخدمة الانترنت لضمان وصول الطلبة الى المنصة المعتمدة بشكل مجاني. 

تجارب بعض الدول العربية

وهنا اورد بعض تجارب الدول المحيطة للاسترشاد: إذ تم تطبيق حلول وآليات التعليم عن بُعد لجميع الطلاب والطالبات اعتماد منصات محتوى وتواصل الالكتروني باشكال مختلفة حسب الوضع الخاص بكل دولة.

التجربة التونسية للتعليم عن بُعد اعتمدت النظام المختلط الذي يجمع بين التعليم المتزامن والغير متزامن مع الاخذ بعين الاعتبار ان تأسيس العمل باتمتة التعليم قبل الجائحة كما ان النية التحتية الالكترونية في تونس موائمة وتعتمد نظام الفايبر في تزويد خدمات الانترني مما يتيح مجال اوسع لاستخدامة و سرعات االعلى من الشبكة العادية، كما تم الاستعانة بخبرات القطاع الخاص في تطويلر المحتوى التعليمي.

التجربة الاردنية للتعليم عن بُعد اعتمدت على اطلاق منصة "درسك" التي صممت بالتعاون مع وزارة الاتصالات الاردنية وبشراكة مع ثلاث شركات محتوى تعليمي رقمي عاملة في المجال، حيث أن درسك هي منصة مجانية للتعلّم عن بُعد، توفر لطلبة المدارس من الصف الأول وحتى الصف الثاني الثانوي دروسًا تعليمية عن طريق مقاطع فيديو مصوَّرة مُنظّمة ومُجدولة وفقاً لمنهاج التعليم الأردني، يُقدمها نخبة متميزة من المعلمين والمعلمات لتسهّل على الطلبة مواصلة تعلّمهم، ومتابعة موادهم الدراسية.

التجربة القطرية والكويتية للتعليم عن بُعد اعتمدت على بناء منصة خاصة بوزارات التربية  حيث استكملت الوزارات عملها في تطوير الدروس للطلبة بكل المراحل من خلال تسجيل الدروس في استديوهات خاصة، وبثها عبر منصة تربوية تعليمية، حيث ان وزارات التربية  كانت قد بدأت في تحويل المنهاج  الكويتي الى محتوى مصور قبل الجائحة بثلاث سنوات.

الخيارات الفلسطينية المتاحة حاليا

حسب المعطيات المتوفرة حاليا، وفي ظل الاوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي يمر بها المجتمع الفلسطيني، اعتقد جازما ان الخيار الوحيد والاوحد المتاح حاليا والذي سيساهم في سد فجوة التعليم عن بعد هو الخيار الذي اتجهت الية الحكومة الاردنية، وذلك لعدة اسباب: اولها: الوضع الاجتماعي الاردني مقارب الى الوضع الاجتماعي الفلسطيني، ثانيا: الوضع الاقتصادي الذي يتشابة الى حد بعيد. ثالثهما: البنية التحتية التعليمية والالكترونية.

عدى عن ان التجربة الاردنية في عملية التحول مشابهه الى حد كبير التجربة الفلسطينية ( عدى عن فارق الفترة الزمنية) الدولة الاردنية شارفت على المئة عام من العمل، وهو ما نفتقدة كحكومة ووزارة فلسطينية، ولكننا على المستوى الرسمي استفدنا سابقا من عدة تجاب كانت ناجحة في الاردن وتمت موائمتها لتلائم الواقع الفلسطيني، في عدة مجالات منها الاقتصاد، القضاء، العدل وغيرها من المجالات الاخرى.

السؤال الاهم المطروح على راسمي السياسات في وزارة التربية والتعليم حاليا: هل ينظر قادة التعليم في فلسطين لازمة الجائحة  وانعكاساتها على أنها "فترة وبتعدي" ام سيكونوا قادريين على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب وتحويل الازمة الى فرصة للاستثمار في التعليم وتطويرة وتعزيز مقوماتة بطريقة مستدامة تخرجنا من الازمة الحالية وتفتح افاق مستقبلية واعدة في مجالات عدة اهمها: رقمنة التعليم- الذي بالمناسبة من اهم اهداف الوزارة في خططها الاستراتيجية من عام 2013  حتى الان- ، بالاضافة الى تطوير المناهج التي ادرجت لسنوات عديدة في خطط الوزارة الاستراتيجية، والاستثمار الانسب في المعلمين والمعلمات وكوادر الوزارة، بالاضافة الى الشراكة الفاعلة والفعلية ما بين الوزارة والقطاع الاهلي والقطاع الخاص تطبيقا لانجندة السياسات الوطنية 2017-2022 واجندة التنمية المستدامة 2030.

في ضوء ما تقدم سيكون معيار التقييم للفترة الحالية هل كنا قادريين على اخذ القرارا المناسب في الوقت المناسب، وهل نستطيع الخروج من تفكيرنا التقليدي الى افاق رحبة من التفكير الابداعي لاستخدام المتوفر والمتاح والاستفادة منة الى اقصى الحدود، ومن ثم التطوير علية لنكون قادرين على مواجهه هذه الازمة والازمات القادمة وهي حسب الواقع كثيرة ولن تمهلنا طويلا.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.