في يوم البيئة العربي ... ما هي الأولويات البيئية؟
صادف في الرابع عشر من هذا الشهر (تشرين الأول) ما يعرف بـ»يوم البيئة العربي»، حيث بدأ الاحتفال به في هذا اليوم، لمناسبة انعقاد المؤتمر الوزاري الأول لمسؤولي البيئة في الدول العربية في تونس في نفس اليوم من العام 1986، والهدف من الاحتفال هو زيادة التوعية بأهمية البيئة وانعكاساتها على مجالات الحياة المختلفة، وخاصة التنمية المستدامة التي لا تستنزف المصادر والإمكانيات، وكذلك لإبراز الأهمية القصوى للتعاون بين الدول او بين فئات المجتمع العربي من اجل تحسين الأوضاع البيئية العربية، وجاء يوم البيئة العربي في هذا العام، تحت شعار «الاهتمام بالتنوع البيولوجي»، في ظل تغيرات مناخية بيئية عالمية مقلقة»، تتمثل في ارتفاع حرارة الأرض ومياه المحيطات بسبب ذوبان الجليد وبالتالي زيادة منسوب المياه، وقلة الأمطار، وزيادة شدة الأعاصير والفيضانات والتصحر والحرائق والتلوث وما الى ذلك من تداعيات بيئية بعيدة المدى على العالم ونحن جزء منه.
ومر يوم البيئة العربي هذا العام، في ظل تغيرات بيئية عالمية وعربية، بسبب تغاضي دول عديدة ومنها الدول الصناعية الكبرى عن إعطاء الأولوية للبيئة وحمايتها، وخاصة خلال عملية النمو الاقتصادي الكبير والمتواصل، حيث بدأت دول كثيرة تلمس الآثار الكارثية على البيئة، فنفايات المصانع ودخانها والمخلفات العشوائية للبنايات أدت الى تلوث الهواء والمياه والتربة، حتى بات لا يمكن السير في شوارع بعض المدن العالمية مثل بكين ودلهي، والعربية مثل القاهرة، دون كمامات، او شرب المياه إلا معبأة او باستخدام فلتر، وملاحظة الآثار البيئية والصحية الوخيمة التي أحدثها ويحدثها الاستخدام المكثف للمواد الكيميائية في الزراعة من مبيدات وأسمدة وبلاستيك، تنتشر فيها أمراض السرطان والتشوهات الخلقية بشكل متزايد.
وجاء يوم البيئة العربي هذا العام، في ظل ما يشهده العالم هذه الأيام من ظواهر متطرفة أو على الأقل ظواهر غير اعتيادية في حدتها وتوقيتها وصعوبة التعامل معها، وربما نكون قد شهدنا مثل ظواهر كهذه في الماضي، ولكن ليست بنفس الشدة والتكرار والاهم محاولة العلماء والباحثين والمختصين ربطها مع ظواهر مناخية بيئية ساهم الإنسان بشكل مباشر وغير مباشر في الوصول إليها، ومن أهم هذه الظواهر ما بات يعرف بظاهرة «التغير المناخي»، أو «البيت الزجاجي» وانعكاساتها من خلال ارتفاع درجة الحرارة، وقلة الأمطار والتصحر، والتي ترتبط بشكل مباشر بالتلوث وبالأخص تلوث الهواء في الجو بما تبثه نشاطات الإنسان الى طبقات الجو، مسببا تراكما لمواد كيميائية لم نشهدها من قبل.
وفي بلادنا، فالحفاظ على البيئة الفلسطينية في الضفة وفي غزة من المفترض أن يكون أولوية وطنية في خطط التنمية البشرية والاقتصادية، لأن من سمات البيئة الفلسطينية ان المصادر الطبيعية، من مياه وارض وحيز هي مصادر محدودة، وان المساحة الجغرافية ضيقة وتضيق باستمرار، وان كثافة البشر في تلك البقعة مرتفعة وربما من أعلى النسب في العالم وخاصة في قطاع غزة، وان ازدياد البشر وبالتالي نشاطات البشر وما ينتج عن ذلك من نفايات وبأنواعها في تصاعد مستمر، وما لذلك من تداعيات بيئية، أن لم نلمس آثارها، الآن، فسوف يكون بعد فترة.
وما زلنا نرى النفايات في الشوارع، وما زلنا نستخدم المبيدات الكيميائية بشكل مكثف وفي أحيان بشكل غير امن أو سليم، وما زالت مياه المجاري وليست فقط المياه العادمة المكررة، تصب في بحر غزة، وأصبحت مياه غزة الجوفية مالحة وربما ملوثة وما زالت التقارير تشير الى ان اكثر من 95% من المياه في غزة، ملوثة، وبالإضافة الى ذلك ما زالت المستوطنات الاسرائيلية تساهم بشكل او بآخر في تلويث وتشويه البيئة الفلسطينية، حيث ما زلنا نسمع عن مجاري المستوطنات والمياه العادمة تصب في قرى سلفيت وبيت لحم والخليل ورام الله، وما لذلك من تداعيات قصيرة وبعيدة المدى متواصلة على البيئة.
وفي ظل هذا الواقع البيئي الفلسطيني، وفي النظر الى الأولويات البيئية العربية وبالتحديد الفلسطينية، فإننا نحتاج الى تطبيق حازم للقوانين الفلسطينية المتعلقة بحماية البيئة، سواء أكان قانون البيئة الفلسطيني لعام 1999، او قانون الصحة العامة المتعلق بالبيئة، او قانون حماية المستهلك الفلسطيني، بشكل يعطي الغرض من إصدار مثل قوانين كهذه، وبأن تتم محاسبة وبشكل رادع من يلوث البيئة بالنفايات الصلبة، او بالمياه العادمة، او من يلوث الهواء بالغازات والمواد الكيميائية، او يلوث المياه الجوفية بالأسمدة، او يلوث المنتجات الزراعية بالمبيدات، وما الى ذلك، وبحيث تطبق القوانين بأيدي الشرطة او سلطة البيئة او البلديات والهيئات المحلية.
ونحتاج الى تكثيف جهود كافة العاملين في مجال حماية البيئة، سواء أكانوا من الجهات الرسمية او غير الرسمية في بلادنا، وكذلك الجهات العربية العاملة في مجال حماية البيئة، والمنظمات الدولية العاملة في مجال البيئة، من أجل اتخاذ إجراءات عملية للحد من احتمال وقوع كارثة بيئية وصحية بعيدة المدى، وبالأخص في قطاع غزة وذلك نتيجة الدمار الهائل للبنية التحتية وتلوث المياه والطعام والهواء، واستنزاف الموارد الطبيعية المحدودة في القطاع.
وهناك ضرورة ماسة الى خطة عمل بيئية وطنية، تعتمد على الحقائق لتحديد متطلبات التدخل، وهذا يعني إجراء الفحوصات لعينات بيئية من خلال مختبرات مؤهلة سواء أكانت تتبع جهات رسمية او غير رسمية، ومن خلال دراسات تقييم علمي وموضوعي للأثر البيئي لمشاريع او لأعمال يمكن ان تؤثر على البيئة، ومن خلال تفعيل المراقبة والمتابعة لقضايا بيئية، ومن خلال تفعيل العلاقة والتواصل مع المواطن الفلسطيني الذي هو الأساس في العمل من اجل حماية البيئة التي فيها يحيا.
والمطلوب النظر الى البيئة بشكل أوسع، من خلال أهمية التعاون في مجال البيئة وحل قضاياها مع المحيط العربي الذي نحيا فيه، حيث ان مشاكل البيئة لا تعرف الحدود، والاستفادة كذلك من خبرات المنطقة، سواء في مجال المياه او الهواء او التصحر والإنتاج الزراعي او التخلص من النفايات، وهذا يعني وجود علاقات تعاون عربية ودولية، والاستفادة من البرامج الدولية وتأطيرها بشكل مبرمج لحماية البيئة الفلسطينية.
ومن ضمن الأولويات، الحاجة الى بناء ثقافة حماية البيئة وبشكل مستدام، وهذا يتطلب التركيز على تنمية الوعي البيئي، في المدارس والجامعات وفي المصانع وورشات العمل وفي الحقول الزراعية، ويتطلب الاستثمار وبشكل عملي في التعليم البيئي وخاصة في الجامعات، بشكل يلائم احتياجات البيئة الفلسطينية، والتعاون مع مراكز الأبحاث البيئية في جامعاتنا وفي محيطنا العربي من اجل إيجاد حلول لمشاكل البيئة المحلية.
ومع الاحتفال بـ»يوم البيئة العربي»، فالمطلوب التوجه وبشكل مدروس وعملي نحو مصادر الطاقة الخضراء، او الطاقة المتجددة، أي التي لا تنضب، والنظيفة التي لا تلوث البيئة من هواء ومياه وارض، والاقتصادية، أي التي لا تكلف كثيرا، هي البديل للطاقة الحالية، التي تعتمد على النفط ومشتقاته او على الفحم، والتي في العادة تتناقص ومن ثم تنضب مع الزمن، والتي هي طاقة غير نظيفة، أي لا تؤثر عكسيا على البيئة المحيطة بها، حيث لا يمكن ان تلوث الهواء، ومصادر المياه والطعام، وهذا الذي من المفترض ان نبدأ العمل عليه من خلال القوانين والسياسات والحوافز والتطبيق العملي.
ومع انتظار يوم البيئة العربي في العام القادم، العام 2021، فالعالم ومن ضمنه العالم العربي سوف يستمر بمراقبة ظواهر أقل ما يقال عنها بالمقلقة أو غير الطبيعية، وبالأخص في ظل مواصلة تفشي فيروس كورونا بشكل واسع هذه الأيام، ومع استمرار عبث الإنسان بالنظام البيئي، ومواصلة استعمال مصادر الطاقة التقليدية غير المتجددة، وكذلك المواد الكيميائية من مبيدات وأسمدة، التي هي الملوث الأكبر للبيئة في العالم، وبالتالي الخطر الأكبر على ما يحويه من التنوع البيولوجي وعلى تصاعد حدة الحرائق والأعاصير والفيضانات وانتشار الأمراض، وما لذلك من انعكاسات على مختلف بلدان العالم، والمنطقة العربية لن تكون بالبعيدة عن ذلك.