نهار المدينة يروي الحكاية
ما زالت الحياة في المدينة تسير كما هي، تبحث طويلا عن مكان لتوقف سيارتك وتضمن ان تضع شواكل كافية في عداد التوقف حتى لا يتم «كلبشتك» خصوصا انهم يتصيدون هذه اللحظة دون التماس عذر، وتسير «زكزاك» تارة على الرصيف فيحول بينك عائق فتذهب الى الشارع وتجتاز الشارع الى الجهة الأخرى، الناس متنوعون منهم من يضع الكمامة ومنهم من ينزلها على ذقنه والسيدة تسير على خط المشاة وتتكلم بالهاتف: «مش عارفة اروح افحص وإلا احجر حالي وخلص؟!!!!»، وكمامتها على ذقنها. سائقو السيارات الخصوصي والعمومي سيان لا يقيمون بالا للمشاة ولا الخط الأبيض.
تأخذك خطواتك صوب الأماكن المعهودة في المدينة لأننا بتنا مقلين من الذهاب مشيا على الأقدام في وسط المدينة في ساعات ما قبل الظهر بقليل، الدكان المعهود صاحبه لا يرتدي الكمامة وعندما وجهت له السؤال قال: «معلقها وراي تعبت منها»، في سوق الخضار الجميع بالإجماع يضع الكمامة على الذقن وينادون على أسعار وأصناف الخضار والفواكه المتوفرة لديهم، هدفي من الزيتون الحب بالحجم الكبير (للرصيع) باء بالفشل لأن الحبة بالكاد ترى بالعين المجردة، ويتعالى الصوت (كيلو ونصف خيار بعشرة شواكل، البندورة 2 كيلوغرام بعشرة شواكل، البصل الخمسة بعشرة شواكل) ابتعت الباذنجان لأغراض المقدوس، كون السعر مناسب.
الفرصة السانحة ان تقابل جارة العائلة القديمة وتحاول التعرف عليها ومن ثم تتجرأ وتحييها: «طب شيل الكمامة عشان أعرفك»، وتبدأ حفاوة الترحاب وتذكيري بأيام طفولتي (ولم اكن مشاكسا بل لحوحا) الجارة كانت محترفة بالنسيج فنبتاع الصوف ونذهب صوبها وأنا اذهب مرتين وثلاثا من وراء والدتي وأختي للاطمئنان على إنجاز جارتي واطمئن على خلط الألوان، وتكون صوبة طويلة مشتعلة ولهبها واضح فاجلس بالانتظار ثم أغادر لأن إلحاحي لا طائل منه، تحدثنا وسمعت أخباري وسمعت أخبارهم.
دقائق وإذا بكاميرا ومراسل يقفون على الرصيف: «ممكن لحظة ناخذ رأيك بالانتخابات الأميركية، اعتذرت وقلت حتما اللي سبقوني قالوا (وجهين لعملة واحدة)» ولن يقول أي منهم اثرها علينا شئنا أم أبينا وان قلت بهذا الاتجاه سأبدو كأنني لا اتقن العيش دون عودة المفاوضات وانا اعرف انه لم يعد هناك ما يفاوض عليه في ظل إجراءات الاحتلال التي توجت بأكبر عملية هدم وتشريد في الأغوار وفي ضوء التحالف المكشوف الأميركي الإسرائيلي، وإن قلنا أن صوتنا قد يكون مسموعا بعد الانتخابات دون أن يهتم الاحتلال أصلا سيكون هذا غير مقبول بشكل أو آخر، إذاً، «خليني» في حماية المستهلك والأسعار ودعم المنتجات الفلسطينية والعدالة الاجتماعية.
في طريق العودة، كان مشهد الفلافل وحجم رغيف الخبز أمامه مشهيا فلم استطع المقاومة رغم ان وزني تراجع بشكل جيد خلال جائحة كورونا وبت امشي كثيرا وانتظمت وجباتي، طلبت الخبز المميز «اللي بسميه صاحب المحل (كعك بسمسم) رغم ان شكله حمام حجم كبير، وعند الحساب طلاب 10 شيكل. قلت: يا زلمة خلي الخبز بـ 3 شيكل والفلافل شيكل طب نسبة الربح المبالغ بها لماذا؟، فش ايدي عاملة كلوا راح (هناك)» على الأقل أمام البقية انت تحديدا يجب ان تسجل موقفا وتعلن استهجانك للمبالغة بالسعر وتذهب صوب المحلات الصديقة للمستهلك.
وما هو إلا وقت قصير من قيادة السيارة وإذا بمجموعة من (ذوي الهمم) وهم المقعدون على كراس متحركة يعتصمون أمام باب المجلس التشريعي ويطالبون بتأمين صحي مجاني لكي يتلقوا العلاج، فورا تواصلت مع جهات الاختصاص قالوا: نحن معهم في مطلبهم، إذاً، لماذا يبقون معتصمين هنا طالما أنكم موافقون على مطالبهم على الرغم من حجة الوضع المالي واحتجاز أموال المقاصة. ونحن نطالب بأن تكون هناك آلية تواصل بين وزارة التنمية الاجتماعية ووزارة الصحة. المشهد يحتاج الى علاج ويحتاج الى من يخاطبهم ويوصل لهم الرسالة وليس فقط نذهب صوب الأماكن التي تتابعها الكاميرات ومواقع التواصل الاجتماعي، لماذا لا نذهب صوبهم ونخاطبهم ولا ندع أيا كان يشوه تصريحات على لساننا كمسؤولين.
الإشارة المرورية متوقفة والجميع يعتبر نفسه صاحب حق الأولوية في المرور ولا يرى الآخر، والصديق في المركبة المجاورة يحدثني عن تدفق المياه في موقف المركبات في عمارة العائلة بعد ان الح منذ الشتاء الماضي على البلدية فعالجت لتكون النتيجة تحويل مسار تدفق المياه باتجاه العمارة، قلت له: قد يكون هذا نتاج عمل المجالس البلدية السابقة فتلك يافطة هذه الأيام، فابتسم وقال لي: «عمرك ما بتبطل قفشاتك شكلي لازم اروح أراجع رئيس البلدية السابق وبقية أعضاء المجلس السابق مش مؤسسة البلدية»!.
وتدخل في الاختناق المروري وتبدأ الحديث مع نفسك كلما قلت (أزمة) يقال لك الأزمة ان تتوقف العجلات الأربع للمركبة لمدة نصف ساعة متتالية وغير ذلك طالما أن إطارات مركبتك تدور ليست أزمة، وتتابع الفهلوة وكيف يتمكن سائق أن يتعدى على دورك ويخلق انسدادا مروريا لأنه فهلوي يريد ان يسبق الجميع، وترى السائق الاتي عكس السير لأنه يلتمس لنفسه عذرا فهو خارج من موقف السيارات لعمارته والأسهل ان يكمل عكس السير، وبإمكان صاحب البقالة ان يغلق الشارع لأنه ينزل البضاعة من الشاحنة.