كلمات على الحكومة قراءتها قبل قرار "الإغلاق"
كتب رئيس التحرير: في ظل تفاقم أزمة جائحة كورونا، والحديث الجاري بين المواطنين وصناع القرار حول فرض الإغلاق من عدمه، كان لا بد من النظر إلى هذه الجائحة ومفرزاتها ومسببات تفاقهما من مسقط علوي، لنكتشف ونرى ما لا نستطيع رؤيته من الداخل.
أولاً وقبل كل شيء، فإن ما يجري حالياً من تزايد كبير في أعداد الإصابات كان أمراً متوقعاً، بل إن منظمة الصحة العالمية تحدثت عن هذه الجزئية، ودعت حكومات العالم للاستعداد لشتاء قاسٍ، وكذلك فعلت وزارة الصحة التي حذرت مراراً من تزايد كبير في أعداد الإصابات بالمرض في الشتاء، لكن هل استعدت وزارة الصحة الفلسطينية لهذا الوضع؟ هل استجابت للتحذيرات؟ وهل وضعت الخطط الكفيلة بتخطي هذه المرحلة؟
لو كانت وزارة الصحة الفلسطينية وصناع القرار أخذوا التحذيرات العالمية لما شهدنا هذا التخبط الإعلامي والعملي على أرض الواقع، ولكانت الأمور سارت بسلاسة، فمن يستعد لدخول طريق لا يُصدم بعقباته و"مطباته". إذن فمن خلال التخبط الحاصل على صعيد وزارة الصحة يمكن القول إن الاستعداد العملي كان ليس كما يجب "في أعلى تقدير"، وهو أمر مبرر في ظل جائحة أربكت العالم، لكن التخبط الإعلامي لا يوجد له أي تفسير أو مبرر!
ثانياً: هل معدل الإصابات الموجود والمعلن عنه حقيقي؟ وزيرة الصحة د. مي الكيلة أجابت عن هذا السؤال بقولها إن ما يعلن عنه من إصابات هو ثلث الإصابات الحقيقية، ما يعني أنه إذا تم الإعلان عن 1000 إصابة فإن العدد الحقيقي للإصابات هو 3000، كذلك هناك سؤال آخر عن آلية تحديد أعداد الفحوصات اليومية، ففي تقرير وزارة الصحة نكتشف أن الفحوصات ليست ثابتة، فأحياناً تكون 6000 فحص، وأحياناً أخرى 9000، فماذا يعني ذلك؟
يعني ذلك أن القفزة في بعض الأيام لا تكون في أعداد الإصابات، بل بأعداد الفحوصات، وكلما زادت أعداد الفحوصات، زاد الكشف عن الإصابات، وهنا يجب أن نضع أكثر من خط تحت هذه الكلمات! فإضافة إلى زيادة الإصابات نتيجة فصل الشتاء هناك زيادة في الفحوصات، وهو أمر طبيعي جداً ولا يمكن لنا أن نهوّل من أعداد الإصابات والحديث عن عجز في النظام الصحي أو امتلاء المستشفيات.
ومعنى ذلك أيضاً أن مئات بل آلاف الإصابات بفيروس كورونا كانت دون أعراض، وهو ما يعزز رؤيتنا في عدم جدوى الإغلاق.
نقطة ثالثة: لم يكن للمواطن العادي أن يلمس وجود تخبط في أداء وزارة الصحة في ملف الكورونا إلا من خلال مسؤولي الوزارة الذين تضاربت تصريحاتهم الإعلامية في أحيان كثيرة، بل تضاربت تصريحاتهم مع تصريحات ناطقين رسميين كالناطق باسم الداخلية مثلاً، فهل هناك غياب للرؤية الإعلامية في وزارة الصحة؟ وقبل كل ذلك هل هناك رسالة موحدة لوزارة الصحة؟ هل هناك ناطق رسمي مختص في المجال الإعلامي أو قادر على إدارة الحوار الإعلامي للوزارة؟ هل هناك تنسيق للرواية الحكومية ولرواية وزارة الصحة في ملف كورونا؟ الجواب بحرفين: (لا).
كذلك فإن هذا الأمر ينسحب على إعلام الحكومة الرسمي، الممثل أساساً في الناطق باسم الحكومة، وهنا أدعو أي قارئ لهذا المقال أن يزور بعد أن يكمل قراءته للصفحة الرسمية الموثقة للناطق الرسمي للحكومة، والذي من المفترض أن يكون لسان الحكومة للمواطن وللإعلام، وستجدون أن 99% من منشوراته هي (نسخ لصق) للتقرير اليومي الصادر عن وزارة الصحة حول كورونا! فهل هذا هو عمل الناطق الرسمي؟ أين الخطاب المدروس الموجه للمواطنين؟ من سينقل رؤية الحكومة وخططها وأهدافها للناس وللإعلام إذا لم يكن الناطق الرسمي؟
إذن فهناك تخبط إعلامي واضح على مستوى الحكومة ووزارة الصحة، لا يمكن حله إلا من خلال إعادة النظر في الرؤية الإعلامية، وإعادة تقييم الذات ومعرفة نقاط الضعف وتصحيحها.
رابعاً: في ملف الإغلاق، هل أجرت وزارة الصحة والجهات ذات العلاقة دراسات علمية واقعية عن تأثير الإغلاق على الحالة الوبائية؟ هل حقاً يقلل الإغلاق من الإصابات أم يؤجل اكتشافها؟
تجربتنا وتجربة الدول أثبتت عجز الإغلاقات الشاملة عن إعطاء نتائج ثابتة ودائمة بل انها مرحلية مؤقتة، والأردن أكبر مثال على ذلك.
نأمل أن يكون طرح وزارة الصحة عن "إغلاق ذكي" ذكي حقاً، فنتجنب الإغلاق الشامل الذي ضر أكثر مما نفع، ودمر الاقتصاد أكثر مما حسن صحة المواطنين والمصابين، وأن يكون هذا الإغلاق مدروساً حقاً ومشرفاً عليه من قبل اخصائيين، لمعرفة آلية الإغلاق، وفي نفس الوقت عدم تدمير ما تبقى من اقتصاد فلسطيني.
الحكومة الفلسطينية في جلستها اليوم ستبحث موضوع الإغلاق، ونأمل أن تقرأ الحكومة هذه الكلمات قبل جلسة اليوم، عل وعسى تلقى كلماتنا آذاناً مصغية. المهم، فالحكومة ستبحث ملف الإغلاق وسط توقعاتنا بأن يتم استبعاد الإغلاق الشامل، لكن سيظل هذا الخيار مطروحاً إلى أن تخرج نتائج اجتماع اليوم.
يجب على الحكومة في حال فكرت بالإغلاق الشامل أن تتذكر أموراً عديدة: أن تتذكر الاقتصاد الفلسطيني الذي لم يخرج بعد من ضربة كورونا الأولى، والتي من المرجح أن يظل يعاني من تبعاتها إلى عامين قادمين، ما يعني أن أي إغلاق جديد سيزيد من عمر الأزمة الاقتصادية، ويدفع آلافاً آخرين للسقوط في حفرة البطالة والفقر، كذلك فإن على الحكومة تذكر مئات آلاف الطلبة في الجامعات والمدارس تضرروا جداً من الإغلاقات، حتى أن دولاً كبرى بدأت تتحدث عن جيل جاهل ستخلفه جائحة كورونا، فهل ثمن الإغلاق في نظر الحكومة قليل؟
سيكون ثمن الإغلاق أضعاف أضعاف أي ثمن صحي قد يُدفع، في ظل يقينٍ علمي بأن الإغلاق لن يؤثر على الجائحة بل سيؤجلها، وفي الواقع الفلسطيني الذي لا سيطرة فيه للأمن على الأرض فإن الحديث عن أي إغلاق هو خرافة فقط.
لا أحد يعارض الحكومة بفرض عقوبات قاسية على مخالفي الإجراءات الصحية، فهذا السلاح الوحيد بعد وعي المواطنين الذي تستطيع الحكومة استخدامه، وهو سلاح ندعمه بكل قوة، فلا مجال للاستهتار خصوصاً في ذروة الجائحة التي نعيشها.
بيوت العزاء والأفراح والتجمعات بمختلف أشكالها يجب أن تكون محرمة إلى حين وصول اللقاح، الالتزام الكامل من المواطنين يجب أن يكون نهجاً متبعاً، ومن يخالف ذلك يجب أن يدفع الثمن إما سجناً أو غرامة تعلمه أن صحة الناس ليست لعبة.
خلاصة القول أن على الحكومة ووزارة الصحة إعادة النظر في خطابها الإعلامي الذي بدا مرتبكاً، ولا بد من تخصيص ناطق أو مجموعة ناطقين يضعون المواطنين في صورة الوضع، وأن لا تكون الاستراتيجية الإعلامية غائبة، وأن تكون كل كلمة يُصرح بها مدروسة بعناية، وأن يكون العمل بالتنسيق مع كل جهات الاختصاص، فلا مجال للفتوى الآن والاجتهاد!
كذلك فإن على الحكومة تقدير الموقف بعناية، وتجنب الإغلاق الشامل، وتجنب تدمير العام الدراسي الحالي إذا تقرر إغلاق المدارس. وتجنب إغراق الاقتصاد بموجة جديدة من الضربات والفقر والبطالة.