عن عبد المحسن القطان في ذكرى رحيله
لم يكن عبد المحسن قطان متحمساً على الهاتف للقاء الذي اقترحته، كان صوته يأتي متمهلاً وعميقاً، ولكنه اقتنع بطيبة بعد أن شرحت له فكرة الكتاب حول نشأة مؤسسة التعاون، الذي كلفت بإنجازه أثناء عملي كمستشار ثقافي في المؤسسة، وبعد تدخل د. تفيدة جرباوي مدير عام المؤسسة وصاحبة الفكرة، والتي كانت معنية بذلك اللقاء، اتفقنا على 20 دقيقة وسؤالين.
في الحقيقة، إن فكرة البحث في ذاكرة المؤسسة التي تأسست في جنيف 1983 كانت تستهويني بشكل شخصي، «التعاون» إحدى المبادرات الفلسطينية الأكثر أهمية بعد تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، وقوتها تكمن في أنها مبادرة أهلية، يعود لعبد المحسن القطان فضل طرحها، بدأ بها أربعة من رجال الأعمال الفلسطينيين، ثم ارتفع عدد المؤسسين إلى تسعة، وإنها ظهرت في لحظة ارتباك سياسي عميق بعد حصار بيروت وخروج المنظمة من لبنان آخر مواقعها في دول الطوق، والأهم أنها شكلت في وثائق تأسيسها مستوى من الحوار المثمر بين رأس المال الوطني والنخبة الثقافية الفلسطينية التي مثلها، في حينه، إدوارد سعيد وإبراهيم أبو لغد.
كانت إجاباته واضحة ومختصرة ودقيقة، الأسماء والتواريخ والأرقام وثمة في الأنحاء مدائح للرفقة، وكنت معنياً باستثمار الوقت، فجأة قال: هل تحتاج إلى تفاصيل أكثر، أجبت: هذا يكفي.
عندما حاولت الاستئذان، أشار بيده أن أجلس.
استغرق الحديث أكثر من ساعة ونصف الساعة، وكان ممتعاً وممتلئاً بزمن آخر، فجأة انفتح على البدايات، يافا واللد والقدس، واندفعت أسماء ودلالات، المعلم خليل السكاكيني، كان يحب ما أكتب، قال بشيء من الحنين والتباهي الطفولي كما لو أنه خرج للتو من مكتب السكاكيني في الكلية العربية وهو يحمل مديح المعلم.
أفكر الآن بقلق الكاتب الذي كان يبدو واضحاً في حديثه، وفي التفاصيل الدقيقة المتماسكة التي يتمتع بها ذلك الحديث، وبالتداخل المثمر للمغامرة والعناد والحكمة، أفكر بها كمصادر عميقة ميزت سيرته.
فيما بعد سألتقي عبد المحسن القطان في المؤسسة الناجحة التي حملت اسمه في رام الله، وسنجري حواراً مطولاً وحميماً شاركني فيه الصديقان أكرم مسلم ويوسف الشايب والزملاء في المؤسسة، وسينشر لاحقاً في صحيفة الأيام.
لطالما اعتبرت عبد المحسن القطان نموذجاً لرجل الأعمال الوطني الذي يجمع بين الثقافة بمعناها العميق وفعالية دورها، والمسؤولية الوطنية النابعة من الثقة بالناس وبدور رأس المال الوطني في تعزيز الوعي وصناعة الفرص.
وهو ما واصل العمل عليه خلال حياته، وما حرص على تواصله بعد رحيله.