الإهمال في مواجهة الإقصاء
مقالات

الإهمال في مواجهة الإقصاء

ثمة دعوة أطلقتها فصائل فلسطينية لعقد اجتماع مكمل لاجتماع الأمناء العامين الشهير الذي انعقد في بيروت مؤخراً، وألقى فيه الأمناء العامون خطباً حول الوحدة والتوافق والمواجهة والبوصلة... وأشياء من هذا القبيل، وقد شهد ذلك الاجتماع إضافة للخطابات ظهوراً نادراً لبعض الفصائل المختفية.
جوهر فكرة الاجتماع والتداول سليم وضروري ولكن يمكن ببساطة قبل الدعوة وجلوس الأمناء العامين على مقاعد الاجتماع، وجود إطار تحضيري يقدم قراءة واقعية للمشهد السياسي في فلسطين.
قراءة موثقة في حضور الفصائل في الشارع الفلسطيني ونفوذها وقدرتها على التأثير، وقبل كل ذلك ما الذي سيناقشه الأمناء العامون، وما هي الأرضية القائمة على اتفاق الحد الأدنى من المشتركات. كذلك الإجابة عن أسئلة من نوع: أين يقع دور المجتمع المدني ومؤسساته في هذا التوجه؟
عندما يحدث اجتماع من هذا النوع، ينبغي أن يكون مؤهلاً للتعبير عن تطلعات ومصالح الشعب في مختلف تجمعاته وشرائحه، الوطن والمنفى والمهجر، المؤسسة الرسمية والفصائل والمؤسسة الأهلية بتنويعاتها.
لم تعد الأمور كما كانت.
المتغيرات شملت كل شيء تقريباً، وسيكون من السذاجة، حد الكوميديا السوداء، استحضار واقع تبخر تماماً ومنح شخوصه وما تبقى من مقتنياته حق اتخاذ قرارات للمستقبل.
لم يعد دور الفصائل قائماً كما كان خلال السبعينيات عندما وضعت الصيغة.
لم تعد الصيغة صالحة.
لذلك سيبدو من التبسيط وخديعة الذات والتحايل على وعي الناس استخدام ديباجة دعوة من هذا النوع، بينما بموازاة ذلك تتشكل شبكة مترامية من مؤسسات المجتمع المدني والخبرات والتجارب والإنجازات، نبعت من داخل هذا المجتمع وتجمعاته، أكثر قرباً من الناس وأكثر قدرة على التعبير عن مصالحه وتوجهاته.
اجتماع يضم الجميع، ولا ينحصر في بعض الأفكار التنظيمية أو الولاءات الإقليمية أو الخطباء ومندوبي الأنظمة.
ثمة فصائل تبخرت تماماً خلال العقود الأخيرة، وهذا ليس مجازاً، فصائل قامت على توازنات لم تعد موجودة، ونفوذ لم يعد قائماً، لا ينبغي منحها دوراً في تقرير المستقبل بعد أن ساهمت في تبديد الماضي.
لا يمكن صياغة برنامج وطني بهذه الحمولات، ولا ينبغي مواصلة تجاهل الواقع الجديد الذي نشأ على الأرض، إن تجاهل الواقع ومتغيراته والاكتفاء بفكرة وحيدة عن الذات هو الذي تسبب في «سياسة الإهمال» التي تبناها الشارع في مواجهة تغييبه.
الإهمال الشعبي هو أقصى درجات التعبير عن الاحتجاج وأكثرها «حيوية»، أما «تجاهل» إرادة الناس وحاجاتهم وإقصاؤهم فهو «مرض».
 

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.