"التعليم" .. أين المشكلة وما الحل؟
كتب رئيس التحرير: في زمن التكنولوجيا واقتصاد المعرفة، يُقاسُ تقدم الأمم بعلمائها، بعدما كان يقاس بحجم جيشها وحضارتها، فالمقياس اليوم هو التعليم ووحدة القياس هي الجامعات والمدارس، وهي "الباروميتر" لأمم القرن الواحد والعشرين!
السؤال الذي يتبادر إلى الذهن بعد هذه المقدمة القصيرة هو: أين نحن؟
لا يختلف اثنان على أن الواقع التعليمي في فلسطين بائس، ولا يعني ذلك بالمطلق ظلم الكوادر التعليمية وأساتذة الجامعات بشكل عام، كما لا يعني جلد بعض محاولات الخروج من هذا الواقع المظلم "عِلميّاً"، ولا تهدف هذه المقالة لجلد الذات، بل إلى محاولة تلمُّس الطريق، للخروج من هذا النفق.
لمعرفة نوع الدواء المطلوب، يجب تشخيص الحالة تشخيصاً موضوعياً ودقيقاً، لمعرفة مكامن الخلل والضعف، فهل المشكلة في الطلبة أم في المدرسين أم في المناهج؟ أيُّ هذه الحلقات هي الحلقة المعطوبة أو الضعيفة؟
طالب رابع ابتدائي لا يستطيع القراءة !!! خريج جامعة لا يتقن تخصصه !! عدد مدارس محافظة ما سبع مدارس حكومية فقط !! من المسؤول ؟
هذه أسئلة لا يمكن الإجابة عنها في مقال، حيث تحتاج الإجابة إلى دراسات وباحثين يغوصوا في مكامن العملية التعليمية للخروج بالنتائج المرجوة والإجابات عن التساؤلات المطروحة ، اليس من الضروري تخصيص ورشة من مختصين من الداخل والخارج لوضع النقاط على الحروف؟.
وعند الحديث عن إصلاح العملية التعليمية ليس المقصود من ذلك زيادة عدد المتعلمين، فنسبتهم في فلسطين من الأعلى في العالم، لكن نوعية هذا التعليم هي مقصد البحث والإصلاح، فهل المتعلمين في فلسطين استطاعوا إحداث فرق واختراعات واختراقات في المجال العلمي؟ ما عدد براءات الاختراع الفلسطينية؟ هل لنا حضور على خارطة اقتصاد المعرفة؟
عودة إلى مكامن الضعف المتوقعة في العملية التعليمية، هل يُعقل أن يحتوي فصل دراسي على 40 و50 طالباً؟ كيف سيستطيع هؤلاء الطلبة السؤال عن دروسهم؟ وكيف سيركز أستاذ الفصل مع الـ50! ولماذا أصلاً وصلنا إلى مرحلة يُكدس فيها الطلبة داخل الصفوف؟ ما يقودنا للتساؤل عن حجم موازنة التعليم من مجمل موزانة الحكومة؟
موازنة وزارة التربية والتعليم تبلغ نحو 4.9 مليارات شيكل (1.4 مليار دولار)، أي نحو 22% من الموازنة العامة، لكن أغلب هذه الموازنة يذهب على شكل رواتب لموظفي الوزارة، مع هامش بسيط للتطوير على مستوى الأدوات والبنايات، وهنا يتطلب منا إعادة النظر في رفع نسبة موازنة التربية، والبحث عن داعمين داخليين وخارجيين لإصلاح البنية التحتية للتعليم، قبل إصلاح العقول التي تحتاج لبنية تحتية تعمل وتبدع فيها.
لا يُمكن أن نَبذر القمح على الصخر ونقول له يا قمح انبت! لن ينبت القمح ولن نجد ما نحصده في موسم الحصاد، وكذلك العقول، لن نستطيع طلب الإبداع منها ونحن نكبلها بواقع وبنية تحتية مهترئة!
الجامعات والبرامج التي تطرحها وحتى كادرها من المدرسين هل تتم المتابعة لهم من وزارة التعليم العالي وفق معايير دولية، وهل نتابع تصنيف جامعاتنا على مستوى العالم!؟ هناك جامعات فلسطينية تُدرس عن بعد وتنشر في المجتمع الفلسطيني 40 الف خريج جزء كبير منهم غير مؤهل لشغل وظائف، فهل بقاء هذه الجامعات يخدم مشروع الدولة؟
التعليم حق للجميع، لكن هل من حق كل من دخل جامعة أن يخرج بشهادة؟ هذا سؤال يحتاج إلى إجابة جريئة.
ضعف العملية التعليمية يُخلّف كارثة مركبة على الدول، فالإنفاق الذي يتم وحجم الوقت المستهلك والجهد المبذول كله يذهب سدى إن فشل التعليم، ما يعني طوابير بطالة، وضعف اقتصادي، وتفكك اجتماعي، ومآسٍ أخرى!
لكن.. كيف نكتشف طريق العلاج؟
البداية يجب أن تكون في 3 خطوط متوازية، فحص المناهج، فحص طريقة التدريس، فحص قدرة الكوادر التدريسية في المدارس والجامعات، ومعرفة القطاعات التي تحتاجها الدولة لبناء اقتصاد المعرفة، والخروج من بوتقة الدول الريعية!
نحتاج لاستكشاف طريق العلاج بقلب قوي، ونفَس طويل، فالعملية تحتاج لسنوات، ولن تكون بين ليلة وضحاها، ولن نحصل عليها بتغيير اسم المناهج أو المراحل التعليمية!
يجب كسر سلسلة "سياسة التجهيل" المتبعة بقصد أو دون قصد، فسلاح الفلسطيني عقله، وإن فسد هذا العقل، فسدت القضية!