ثورة شعبية تعيد المستوطنين لجحورهم
مقالات

ثورة شعبية تعيد المستوطنين لجحورهم

نعم ليس هناك رغبة لدى إسرائيل والإسرائيليين في تسوية الصراع مع الفلسطينيين، فقط تعودوا على الإبقاء على الاحتلال، خاصة أنه غير مكلف بالنسبة لهم على جميع الصعد، خصوصا الاقتصادية والمالية والسياسية والأمنية.
حكومة إسرائيل تسارع الخطى وتسابق الزمن لتحقيق الضم الفعلي، لما تريد أن تضمه من الضفة الغربية، لإسقاط حل الدولتين قبل زوال إدارة ترامب، الأكثر تطرفا في تاريخ البيت الأبيض، التي سيطرت عليها عصابة من الصهاينة المتطرفين على مدى السنوات الأربع الماضية. الحكومة الإسرائيلية لا تقبل بدولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل، وقد أعلنها ورددها رئيسها وأعضاء حكومتها أكثر من ألف مرة. دولة الاحتلال وحكومتها العنصرية الفاشية، تسعى لتقويض الحلم الفلسطيني، والقضاء على أي أمل في إقامة دولة، ليس فقط بمصادرة مزيد من أراضي الضفة بل بتقطيع أوصالها عبر التهام مزيد من الأراضي يوميا، وتوسيع المستوطنات، وإنشاء شبكات طرق تقطع الضفة إلى معازل.

المستوطنون وبعد أن قويت شوكتهم يعيثون بالضفة فسادا وإرهابا وقتلا وترويعا وتخريبا، أيضا لن يقبلوا بوجود دولة فلسطينية، حتى وفق ما يسمى صفقة القرن، التي نتمنى أن تسقط مع خروج ترامب وزمرته من البيت الأبيض. ونذكر المستوطنات التي تزايدت أضعافا، وفق بعض الأبحاث التي تؤكد أن عدد مستوطنات الضفة والقدس المحتلتين، تضاعف من 144 مستوطنة، قبل توقيع اتفاق أوسلو عام 1993 لنحو 550 مستوطنة وبؤرة استيطانية حتى اواخر عام 2018، وهناك نحو 124 بؤرة استيطانية صادق على تشريعها الكنيست في الأسبوع الماضي. وحسب التقرير، فإن عدد المستوطنين ارتفع من252000 قبل أوسلو إلى حوالي 834000 بعده. وارتفعت مساحة الأراضي المصادرة، من حوالي 136000 دونم قبل أوسلو إلى نصف مليون دونم، أي بزيادة نسبتها نحو 368%. ويواصل الاحتلال تنفيذ سياسة قائمة سمح لهم بها منذ اتفاق أوسلو.

امام كل ذلك يبقى السؤال: ماذا أنتم فاعلون لمواجهة دولة الاحتلال وقطعان مستوطنيها والحيلولة دون نجاحها في فرض واقع جديد، تعمل على الانتهاء من تنفيذه قبل خروج ترامب من البيت الأبيض، سواء في القدس بتغيير معالمها الإسلامية وتهويدها بالكامل وضم معظم مناطق «ج»، وهي المناطق الخاضعة أمنيا وإداريا لسلطات الاحتلال بموجب اتفاق أوسلو، وكذلك سياسة تفريغ منطقة الأغوار الشمالي من أهله، وحملهم على الرحيل عبر التضييق عليهم وهدم منازلهم ومنشآتهم الزراعية، وقتل مواشيهم والقضاء على مصادر أرزاقهم، كخطوة نهائية لإعلان الضم.

فما الجديد والغريب في ما يفعلون، حتى يفاجئنا مسؤولون فلسطينيون بتصريحات حول أفعال جيش الاحتلال وقطعان مستوطنيه، كأنهم يسمعون بها لأول مرة.

الإسرائيليون يسيرون بخطى ثابتة نحو هدفهم، وفق خطة واضحة المعالم والأهداف. بينما نكتفي نحن بالتهديد والوعيد، وبالحديث عن ثورة شعبية لم تر النور حتى الآن. واللوم لا يقع على كاهل السلطة ومنظمة التحرير فحسب، بل على كل الفصائل الفلسطينية يمينها ويسارها، صغيرها وكبيرها. جميع تحركاتنا منذ اتخاذ قرار في مجلسينا الوطني والمركزي بتبني المقاومة الشعبية، مجرد ردات فعل غير منظمة، ومنها ما أصبح تقليدا أسبوعيا ويفتقر للتخطيط والتنظيم. وتبقى في سياق المواجهات العشوائية والمتفرقة وبدون الزخم المطلوب، في المناطق التي يسعى الاحتلال لمصادرة أراضيها. ولا نقلل من قدر هذه النشاطات والمواجهات التي يسقط فيها الجرحى، وأحيانا الشهداء، ولكن لا بد من العودة إلى المقاومة الشعبية الحقيقية التي كانت ترعب جيش الاحتلال قبل المستوطنين، الذين لم تكن غالبيتهم تتجرأ على النوم في المستوطنات، وتعود إلى داخل الخط الأخضر. وكانوا يحتمون بوضع الكوفية الفلسطينية في سياراتهم لإبعاد الشبهة عن أنفسهم. أما اليوم فهم الذي يعربدون ويقطعون طرق الفلسطينيين، ويعتدون على الفلسطينيين بالحجارة، إن لم يكن بالرصاص الحي. لن أوجه اللوم إلى جهة بعينها، فالكل مسؤول، ولا أستثني أحدا من السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، حتى أصغر تنظيم في قطاع غزة، الذي يعيش الحصار منذ أكثر من 14 عاما، ولم تنجح الوساطات في فتح متنفس لأهله، وفشلت في وقف أعمال القتل والتجويع والإرهاب الرسمي والهدم والغارات الليلية والقصف المدفعي. الكل مسؤول لأنه ليست هناك جهة واحدة لديها تصور أو رؤية حول كيفية التعامل مع الوضع المتغير يوميا على الأرض. والشعارات والتهديدات الفارغة لم تعد تغني عن ثورة شعبية حقيقية، فكل ما تشهده الضفة الغربية ردود أفعال لا نقلل من شأنها، ولكنها تبقى في إطار ردات الفعل الفردية.

المستوطنون هم الدولة في إسرائيل، والدولة هي المستوطنون فكلاهما يكمل الآخر، فقوات الاحتلال هي التي تمهد الطريق للمستوطنين للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، وهي التي توفر الحماية الأمنية لهم، ليس في باحات المسجد الأقصى فحسب، بل في كل أماكن وجودهم، وهي التي تمنع الفلسطينيين من دخول الاقصى وهي التي تمنع رفع الأذان في الحرم الإبراهيمي في الخليل، وهي التي تهدم مقبرة الشهداء المتاخمة للأقصى. وهي التي تمنع المزارع الفلسطيني من الوصول إلى أرضه والفلاح من الوصول إلى زيتونه، وهي التي تخصص الميزانيات لبناء المستوطنات وتعزيزها. فقبل أيام أعلنت حكومة الاحتلال عن تخصيص 40 مليون شيكل لدعم المستوطنات، هي توفر المال للاستيطان، بينما تخصم من أموال المقاصة الفلسطينية مستحقات أسر الشهداء والأسرى والجرحى. إسرائيل لن ترتدع ببيانات الشجب والاستنكار والإدانات والتصريحات الرنانة، بل عبر الخطوات العملية، لذا علينا وقبل أن نطلب من الآخرين، أن نخرج من مربع الأقوال إلى مربع الأفعال، فحتى الآن على سبيل المثال، لم تترجم القيادة الفلسطينية، ولا أي من الفصائل، بعد على الأرض المقاومة الشعبية، التي اتخذت فيها مؤسساتنا التشريعية قرارات. ليس هذا فحسب بل إنها تراجعت عن قرارات اتخذت لتنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي، بشأن الاتفاقات التي لا تلتزم بها، ولا تحترمها سلطات الاحتلال. وهنا نتحدث عن عودة العلاقات مع سلطات الاحتلال، إلى سابق عهدها بموجب رسالة لا تعني شيئا، ولا تشمل ضمانا، بعث بها منسق «الأراضي» العقيد كميل أبو ركن. وبناء على ذلك فهل نتوقع منها أن تفعل غير ذلك، غياب عامل الرد الفلسطيني ليس لضعف بل لغياب المخططات، فالفلسطيني ليس ضعيفا فباعه طويل وإرادته قوية ولديه القدرة على التصدي للاحتلال وجنوده ومستوطنيه، فقد فعلها من قبل وهو تواق لفعلها الآن في إطار خطة وطنية شاملة. والشعب جاهز للانتفاض وإشعال المنطقة بأسرها، وقلب الطاولة على اعدائه وخصومه والخونة والمطبعين، والرد عليه على النحو الذي يليق بهم، وسيبقى الصخرة التي تتحطم عليها كل المؤامرات.

واخيرا لم يستطع النائب في الكنيست سامي أبو شحادة عن القائمة المشتركة، إلا توبيخ مسؤولين إماراتيين زارا الكنيست يوم الثلاثاء الماضي، وشاركا في اجتماع لجنة الاقتصاد البرلمانية. وعبّر أبو شحادة عن خجله مما يفعلانه، وقال إنه وجد من المناسب توبيخ كل من جمال الجروان الشنطي سكرتير مجلس الاستثمارات الدولي التابع للإمارات، وجمعة محمد القيط نائب سكرتير شؤون التجارة الخارجية في وزارة الاقتصاد الإماراتية. وخلال الجلسة وجه شحادة وقبل إخراجه من القاعة، حديثه إليهما قائلا: «هل أنت مدرك لكل ما يجري، أم أنك لم تفهم حيثيات خطاب التطبيع. إن لم تستح فافعل ما شئت».

وأختتم بأبيات من قصيدة للشاعر نزار قباني كتبها بعد اتفاق أوسلو بعنوان «المهرولون» وتصلح لكل وقت في هذا الزمن العربي الرديء، يقول فيها: سقطت آخر جدران الحياء. وفرحنا.. ورقصنا وتباركنا بتوقيع سلام الجبناء. لم يعد يرعبنا شيء ولا يخجلنا شيء.. فقد يبست فينا عروق الكبرياء. ودخلنا قي زمان الهرولة. ووقفنا في الطوابير كأغنام أمام المقصلة. وركضنا ولهثنا وتسابقنا لتقبيل حذاء القدم.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.