اضواء الفيسبوك ستطفئ نار مدينتنا .. بين الشجرة والمرأة والمقام
نَتَفَكَكُ مجتمعياً وبشكل متسارع وبهدوء غريب، بينما "النُخَب" السياسية والاقتصادية والمجتمعية والدينية والثقافية/الاعلامية، تتعاطى مع ما يحصل بالقطعة ويمارس الاغلبية منا دور الصياد الذي يبقى كامناً بكامل هدوئه ثم ينقض الى بازار النقد والتعليق والتدقيق والاتهام والتحذير بمنطق الفرصة للظهور اعلاميا والكسب في بورصة "اللايك" على مواقع التواصل الاجتماعي. نعم هنا اقصد ان نخبنا اصبحت اكثر شعبوية من ردة الفعل الفطرية للشعبويين، مع فارق ان العامة يمارسون دورهم الطبيعي بالتعليق الشعبي على كل ما يحدث، بينما النخب يخلعون ثوبهم العقلاني الى صراع شعبوي بزي تنكري نخبوي، بل ويختارون مواضيعهم حسب المصلحة بعكس دورهم الطبيعي.
لَستُ نخبويا ولا مثقفا ولايعجبني مصطلح "النُخَب" الفوقي، ولست مُنَظِراً لأستفيض في وصف الحالة بكل رفاهية، لذلك سأتكلم سريعا عن ثلاث قضايا شغلت الضمير الفيسبوكي للشعب الفلسطيني "نُخَبَاً" وعامة، يساراً ويميناً، مؤمنين ولادينيين، وهي الحفل الراقص في مقام/مسجد النبي موسى، ومنشور لصفحة "نسويات فلسطينيات" تحدثت به عن رفض الشتم بالطريقة العربية وتضمين العضو التناسلي الانثوي ككلمة تدل على الشتيمة، وحرق شجرة الميلاد في بلدة سخنين.
ان هذه الاحداث التي ضربت عميقا في جذور التماسك المجتمعي (وهو الشيء الوحيد الحقيقي الذي نملكه كفلسطينيين من مقومات الدول حتى مع ايام الاحتلال الاولى) اظهرت انتقائية في التفاعل معها من قبل النشطاء والنخب والمثقفين، فلم نعد نرى الامور بحقيقة خطرها بل من خلال زاوية ضيقة من المصلحية الشخصية، فنحن نعلق على هذا ونغفل ذاك وبالعكس حسب نوع القضية، فهنا نصبح مثاليين اكثر من الفيلسوف الالماني فريدريك نيتشه داعيين لعالم من الحرية، وهناك نكون انفسنا راديكاليين حد التهجم وعدم تقبل وجهة النظر الاخر ونعته بالرجعية والسلطوية والتسحيج .. الخ من معلبات التهم الجاهزة للاستخدام حسب مزاج المتذوق، دون اكتراث بأن هذه التوجهات ستؤدي بالضرورة ولو بعد حين الى حدوث انفصام مجتمعي حاد واستقطاب ديني وايديولوجي وحتى عرقي لن يسلم منه أحد، فالفيسبوك تسهل به المعارك فلا جراح ستسيل دماً في ساحاته ولا مساجد وكنائس ستحرق في باحاته الافتراضية الزرقاء، ولكن حتماً هناك الالاف من المتأثرين برأي النشطاء والصحفيين والكتَاب سينقلون هذا الشحن الافتراضي الاستعراضي الى ساحة القرية والمدينة والمخيم والمسجد والكنيسة والسلطة والمعارضة ومؤسسات المجتمع المدني والمرجعيات الدينية والاحزاب اليسارية واليمينية والدينية، فكل من لا يعجبه حدث او قول او موقف سيصححه بسيف رأيه الذي استله من موقف غير مسؤول للباحثين عن الشهرة والتشنجات المجتمعية في فضاء التواصل الاجتماعي دون اكتراث للمجتمع الذي كل واحخد منا هو جزء منه، وبدون كل منا لا يصبح مجتمعاً.
ففي قضية مقام النبي موسى، ألم نراجع اقلامنا قبل ان تنفث النار في خط احمر قاني بالنسبة لنا وهو المسيحي والمسلم ونحن من قبل ومن بعد اخر من يعيش كشعب واحد بلا تفريق في هذه المنطقة التي فلت عقالها بفعل فاعل غربي استعماري، هل اصبحنا جميعا محامين وخبراء قانون وقضاة نوجه الاتهام هنا وهناك ونطالب ونتهم ونجادل ونصنف المشاركين حسب دينهم من نظرة، ونتهم المتخاذلين بالرفض بسبب رأيهم وكأنهم اعداء. وفي منشور "نسويات فلسطينيات" ألم نصب البنزين على نار مشتعلة ونحارب الاساءة للمرأة بالاساءة للرجل، فكيف يستقيم ان يستخدم المظلوم نفس سلاح الظالم، ومن حينها سيناصره؟! وأليس هذا هو ذات المنطق الذي نستند عليه في نقدنا للسلطة الوطنية حين تعتقل سياسيا وهي ما زالت تحت الاحتلال. وفي قضية حريق شجرة الميلاد في سخنين وقبل ان نتهم ونشجب ونستنكر ونفرح ونؤيد الم نتذكر ان هذه البلدة تحت حكم الاحتلال العسكري العنصري الكاره لنا قبل السارق لأرضنا، وهو المستفيد الاكبر من فتنة دينية بين الفلسطينيين تضاف الى فلتان الجريمة التي تتم بتشجيعهم او غض بصرهم واودت بحياة المئات من شبابنا وبناتنا في الداخل الفلسطيني.
اذا لم نجاهد نزواتنا ومصالحنا وايديلوجياتنا لأجل سلامة مجتمعنا، سنتحمل جميعا فاتورة الدم والفلتان والتخريب والتهجير والترويع الذي نسير اليه بفعل العمى الناتج عن اضواء وسائل التواصل الاجتماعي الافتراضية المزيفة. وهذا ما سيتحمل مسؤوليته ليس من ينفذه، بل كل مثقف ونخبوي وكاتب وصحفي ومؤثر كما يحبون ان يطلقوا على انفسهم.