رحلت دون ضجيج يا أبا محمد
مقالات

رحلت دون ضجيج يا أبا محمد

في رثاء الصديق والاخ الدكتور حسين السلوادي

صديقي الغالي، لقد عملنا سويا منذ عام 1992 جنبا الى جنب في نفس العيادة، كم كنتَ مخلصاً دقيقاً مؤدباً أدباً جمّا، خلال ما يزيد عن عشرين عاماً لم اسمع منك  إلا طيب الكلام، ولم تنطق شفتاك اي كلمة نابية او استغابة او همز او لمز في حق زميل أو اي إنسان. كم كنت يا صديق الغالي صبورا شكورا.
لطالما رافقتْ محيّاك ابتسامة هادئة عريضة ، ولطالما اعجبتني دقتك في التعامل مع مرضاك والاستماع لشكواهم ، ولطالما عجبتُ لأمر وصفاتك الطبية التي كادت ان  تسمو لتكون لوحات فنية ذات خط واضح ملون يكاد ان ينطق.
صديقي الدكتور حسين ، لقد حاولتَ مرارا كتابة مذكرات طبيب في فلسطين ، فلقد عايشتَ حياة الفقر والانتفاضات والمآسي، وذهبتَ لبيوت المرضى في ليالي الشتاء القارص لمداواتهم وتخفيف آلامهم ومعاناتهم.  كم طرقتْ الامهات والاطفال بابك ليلا طلبا للمساعدة، وكنت تصحبهم دون تردد بسيارتك الى المشفى ،  كم من الليالي سهرتَ وانت تقوم بالاختصاص وعملتَ بجد وكد وتعب ، حتى اتقنت اختصاص امراض الجلدية والتجميل كم وكم وكم يا صديقي.
كنت اتمنى ان ارى ذكرياتك الحافلة مكتوبة كما تمنيتَ انت ذلك. ولكن لم يمهلك الموت لتكتب عن عمق تجربتك وخبرتك ومعاناتك حالك كحال اطباء فلسطين الذين يعملون بصمتٍ خلف الكواليس. 
صديقي الغالي، أذكرُ كم تعرضتَ لأذى المفسدين والحاقدين، وكم ازعجوك بالليل والنهار ليثنوك عن مثابرتك وعملك، ولكنك صبرتَ وتحملتَ وعملتَ نحو ما يزيد عن خمس وثلاثين عاما، خدمتَ فيها مرضاك وارضيتَ فيها ربك، تحملتَ أذى المسؤولين والمتسلطين والجَهَلة ولكنك تفوقت عليهم واكملتَ خطاك نحو النجاح.
رحلتَ يا أبا محمد وتركت إرثا اخلاقياً ومهنياً لن ينساه عاقل او منصف.
صديقي ، مازلتُ اذكر جيدا دفتر المرضى الملون والمُدوّن بخط واضح كأنه الاحرف الكوفية التي كانت علامتك المميزة في الدقة والاتقان، ولازلت اذكر أطراف احاديثنا اليومية مع فنجان القهوة بعد انتهاء الدوام في العيادة.
عشتَ يا صديقي دون ضجيج ، درستَ وعملتَ وتحملتَ وقاومتَ دون ضجيج ، وأخيرا رحلتَ عنا ايضا دون ضجيج، ولكنك تستحق كل الاهتمام والضجيج .
وأخيرا جاء الموتُ قاهر العباد وخطّ آخر كلماته في دفتر حياتك يا صديق الغالي واختُطفتَ من بين مرضاك واهلك واحبائك.
بحزن يعتصر قلوبنا نقول لك وداعا لا لقاء بعده إلا عند مليك مقتدر .سلام على روحك الطاهرة ، وإنا لله وانا اليه راجعون

أخوك  وصديقك د. أحمد البيتاوي

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.