إلى غير رجعة 2020
مقالات

إلى غير رجعة 2020

ستتذكر البشرية العام 2020 الذي خلّف الكثير من الجروح والندوب في العالم على خلفية ظهور وانتشار فيروس كورونا الذي أودى بحياة مئات الآلاف من الناس، بينما لا تزال كافة الدول حتى هذه اللحظة على أقصى درجات الأهبة والاستنفار لاحتواء هذا الفيروس الذي يتطور إلى سلالات جديدة.
مع نهاية العام 2019 كان العالم يستبشر خيراً بالعام الجديد 2020، لكن ما أن دخلنا في بدايته حتى غافلنا «كوفيد - 19» وأربك كل الدول، إلى درجة أنه قلب مفهوم العولمة وحول العالم من دولة كبيرة إلى معازل، حتى أنه ضرب البنى التحتية للأنظمة الصحية والخدمية، وخلف زلازل في اقتصادات الدول.
مع الأسف ستعاني البشرية من الآثار الكارثية المترتبة على العام 2020، إذ ثمة تقارير دولية تشير إلى احتمالات زيادة معدلات البطالة في العالم، وتحديداً في الدول النامية ومنها فلسطين وليبيا والأردن وتونس على سبيل المثال، ذلك أن تداعيات «كورونا» لا تزال حاضرة بقوة في الاقتصاد العالمي، وهناك الكثير من الوظائف فقدت نتيجة الفيروس.
المشكلة ليست في «كورونا» فقط، وإنما في حجم الكلف ونسب الإنفاق لتفادي انتشاره، ففي فلسطين لم يكن الاقتصاد الوطني أفضل حالاً قبل ظهور الفيروس، ومعدلات البطالة كانت ولا تزال في ارتفاع مطّرد، والمديونية عالية نتيجة الاقتراض والاعتماد على القروض والمنح الخارجية.
الأوضاع الصحية في الضفة الغربية وقطاع غزة كارثية بامتياز، إذ خرجت الأمور عن السيطرة ولم تعد السلطات المحلية قادرة على احتواء الفيروس.
أضف إلى ذلك أن الكثافة السكانية عالية في قطاع غزة مثلاً، وثمة الكثير من الناس يستهترون بالإجراءات الاحترازية والوقائية لمنع انتشار الفيروس.
على الأغلب أن يتحمل العام الجديد 2021 وزر العام الذي قبله، لأن الجائحة لا تزال موجودة ولم تنته بعد، رغم حملة التطعيمات بوساطة اللقاحات الأميركية والروسية والصينية والبريطانية، فضلاً عن التشكيكات بجدواها ومدى فاعليتها، وكذلك توسيع النطاق الجغرافي للتطعيمات.
ثمة أثر اقتصادي وتعليمي وصحي ونفسي مرتبط بالجائحة، فلا يعني أن احتواء «كورونا» سيؤدي بالنتيجة إلى التعافي السريع للاقتصاد العالمي، إذ قد تحقق بعض الدول معدلات نمو في العام الجديد مثل الصين التي تعاملت بكفاءة مع الجائحة وها هي توفر معدات طبية بأسعار زهيدة.
في الأثر الاقتصادي سيعاني الكثير من الدول الفقيرة والنامية من أعباء الديون لاعتبارات تتعلق بالإنفاق على القطاع الصحي لتعزيز مكافحة «كورونا»، فهذه الدول «من دار أبوها» تستورد أغلب احتياجاتها من الخارج، وزادت نسبة الإنفاق والواردات السلعية مع انتشار الفيروس على أراضيها.
وفي الأثر الاقتصادي أيضاً، هناك الكثير ممن فقدوا وظائفهم بسبب سياسات الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي، وكذلك بسبب اختلال العرض والطلب في سوق العمل، ومشكلة الدول النامية أنها لا تملك السيولة النقدية والآليات التي تنتج فرص عمل ووظائف جديدة، إلا من رحم ربي.
وعلى الجانب التعليمي والنفسي هناك ضغوط على الدول النامية تحديداً في مسألة إعادة النظر في التعليم عن بعد خلال فترة الجائحة، لأن أغلب تلك الدول لم تكن تتوقع «كورونا» وبالتالي لم تجهز بناها التحتية التعليمية للتعامل مع تعليم افتراضي، ما أثر بالتأكيد على التحصيل الدراسي بين الطلاب.
العامل النفسي فيه كلام كثير، لأن «كورونا» أنتج حالة من الارتباك والخوف والفزع والقلق النفسي في مختلف المجتمعات الغنية والفقيرة، ولا تقل أهمية الجانب النفسي والتقويم السلوكي عن الجانب الصحي البدني، وكثرت الحالات التي دخلت المستشفيات بسبب تدهور حالتها النفسية بسبب «كورونا».
ومع الأسف، لم يصب العامل النفسي شريحة دون أخرى، وإنما أصاب كل الشرائح العمرية، وأكثر فئة بحاجة إلى رعاية هي شريحة الأطفال، لأنهم أكثر من تأثروا بالجائحة بحكم العزل المنزلي وسياسات التباعد الاجتماعي، وينبغي على الدول مهما كانت مستوياتها التعامل بجدية مع هذا الموضوع.
يؤمل أن يكون العام الجديد عام خير وتفاؤل، وعام عمل سريع ومكثف لاحتواء الفيروس، لأنه كلما اختصر الزمن في مكافحة الوباء قلت كل أنواع الكلف التي تهدد أمن وسلامة البشرية، والأولى أن يأخذ العالم مع الجائحة عبرة للتنازل عن الأفكار الهدامة وافتعال الحروب والانتقاص من السيادة الوطنية للدول، باتجاه تعزيز التعاون الدولي المشترك.
البشرية في العام 2021 بحاجة إلى صياغة أهداف فوق وطنية للتعامل بحكمة مع الكوارث والأزمات العالمية، فالإنسان أينما كان هو ثروة ورأسمال حقيقي مفيد للتنمية، ودونه ليس هناك من تنمية، ووجب على الدول أن تخفف الأعباء على مجتمعاتها بعد عبء «كورونا» الثقيل جداً.  

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.