نحتاج لتغيير نوعي.. لا لـ"تبديل طواقي"!
كتب رئيس التحرير: قرارات رئاسية دسِمة اتخذت "فجأة"، طالت مسؤولين كبار، ما أحدث سيلاً من التساؤلات في الشارع الفلسطيني، ابتداء بـ (لماذا)، وانتهاءً بـ(هل سنلمس تغييراً للأفضل؟).
كأي مؤسسة محترمة، صغيرة كانت أم كبيرة، لا بد لشاغلي الوظائف فيها أن يمتازوا بمؤهلات تمكنهم من تأدية وظائفهم على أكمل وجه، حتى لا يكون وجودهم إرهاقاً للمؤسسة، فما بالكم بمؤسسات الدولة التي هي أعمدة مهمة لبناء الدولة المنشودة!
قبل الخوض بتأثيرات قرارات الرئيس الأخيرة التي أزاحت مسؤولين عن كراسيهم وعينت آخرين، لا بُدَّ من التأكيد على أن اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب لا يُمكن أن يكون بمقياس الولاء للأشخاص، بل يجب أن يكون مبنياً على خبرة عملية بالأساس، وكفاءة عالية، وانتماء أصيل للبلاد، إضافة للأخلاق العالية، فمن يشغل الوظيفة العمومية، وبالأخص من هم بالمراتب العليا يعكسون صورة السلطة للناس والعالم، ما يعني أن عليهم أن يكونوا من خيرة الناس!
مرت الأيام القليلة الماضية بشكل دراماتيكي، فقد حمِلت قرارات كبيرة، كما أسلفنا، تَمثل إحداها بمداهمة وتفتيش وعزل، كما حدث مع رئيس هيئة مكافحة الفساد الذي كثرت الإشاعات حول أسباب عزله، فيما لم تصدر أي معلومات رسمية حتى اللحظة عن السبب الحقيقي وراء إزاحة الرجل من منصبه.
كذلك مثل قرار "استقالة" محافظ سلطة النقد، خضة أخرى، هذه الاستقالة التي كانت بمثابة "إقالة"، عبرت عنها جلسة مجلس الوزراء التي جاءت على ذكر المحافظ الجديد، ولم تأتِ على ذكر المحافظ السابق، لا بكلمة شكر ولا حتى بذكر اسمه!
كذلك فقد شملت الإقالات المفوض السياسي العام للسلطة الوطنية والناطق بإسم الأجهزة الأمنية الذي مضى على تعينه اكثر من أحد عشر عاماً، وهو ما يُمكن أن يفسر بإرادة للتغيير وضخ دماء جديدة في المؤسسات الفلسطينية.
على الصعيد المقابل لهذه القرارات التي صنعت بارقة أمل لدى الشارع في التغيير إلى الأفضل وتغيير الوجوه التي "أكل الدهر عليها وشرب"، على الصعيد المقابل صُدم الشارع بقرارات مفاجئة أيضاً تمثلت بترقيات وتغييرات في ظل حرمان غالبية موظفي السلطة من الترقيات، بسبب الأزمة المالية التي انتهت!
يقف الفلسطيني أمام هذه القرارات التي يمكن وصفها بالمتناقضة في جوهرها حيراناً، فهل حقاً تسعى القيادة الفلسطينية للتغيير؟ أم أن الأمر يقتصر على "تبديل للطواقي؟"
أمام هذا المشهد "المركب بتناقضاته" يحق للفلسطيني أن يتساءل عن سبب تكرار وجوه بعض المسؤولين والوزراء في كل تعديل وتغيير، بعضهم تخطى الـ10 سنوات وهو يحمل إحدى الحقائب الوزارية، وكأن فلسطين عاقر وعاجزة عن الإتيان بمثيل له!
تتداول الصالونات السياسية هذه الأيام أخباراً عن تعديل حكومي، وهي معلومات أكدتها مصادر مطلعة، فهل هذا التعديل سيعالج خللاً شعر به الشارع؟ وبوضوح هل سيشمل وزارة الصحة ووزارة الخارجية ووزارة المالية والسياحة؟ أم ان التعديل فقط سيكون لإعادة تدوير بعض الأسماء؟
هل سيحمل هذا التعديل إضافات نوعية مؤهلة موثوقة؟ هل سيتم ضخ دماء شابة لمواقع هامة؟ فلا يعقل ان يعين شخص ليس له خلفية قانونية بمكان يجب ان يكون فيه الرجل القانوني، لا يعقل ان يعين شخص في مكان ليست خلفيته مصرفية بموقع مهم وحساس ويجب ان يكون مصرفياً من الطراز الاول!
هذه الاخطاء كارثية وستظل تأثيراتها لسنوات عديدة قادمة، وسيتحمل تكلفتها المواطن والنظام السياسي.
خلاصة القول: إننا نحتاج لقرارات جريئة وتغييرات جوهرية مدروسة تعطي الفرصة لشخصيات مؤهلة جديدة تكون على قدر الموقع وتنعكس إيجابياً على المواطن.
واجب ان نأخذ بعين الاعتبار لرأي المواطن في تلك القرارات في ظل غياب المجلس التشريعي، في حين أصبح ملحاً ان تطال التغيرات وزراء وسفراء ومحافظين وقادة أجهزة أمنية بحيث نلتزم بنص القانون لفترة خدمتهم، فهناك مواقع لأشخاص تنتهك نص القانون بشكل صارخ، فالقانون والنظام هو المرجع، ومن المهم ان يتم تعيين الشخصيات وفق مواصفات محددة مسبقة لشاغل تلك الوظيفة وان يكون لديهم وصف وظيفي محدد يتم تقييم أدائهم وفقاً له، ولا يجوز لمسؤولي مهما كان وزنه أن يتجاوز المدة القانونية المحددة له، وهذا كله يمكن أن يحدث في حال أجرينا الانتخابات وأصبح لدينا برلمان.
القرارات والتغيرات السابقة والكثيرة تدل على سوء اختيار، وبوضوح اكثر فإن القرارات والتغييرات التي صدرت جعلت الشارع يشعر بعدم التوازن وبشعور متناقض، مرة يشعر بتغيير إيجابي ومرة يشعر ان هناك "تبديل طواقي"، وبين هذا وذاك فإن الحكم الأول والأخير هو المواطن، والميزان هو تحقيق إرادة الشعب، وتلبية مصالحه، وبناء مؤسسات الدولة.