جرائم خارج قضبان الرقابة
مقالات

جرائم خارج قضبان الرقابة

كثيرة هي التحديات التي تواجه المواطن الفلسطيني في عموم الوطن والشتات،  وسط غياب منظومه قانونيه تلاحق الجاني وتحمي المجني عليه،  لتتجه الانظار صوب الداخل الفلسطيني المحتل حيث يتناقض الحديث عن القيم المثلى التي تتغنى بها اسرائيل في شتى المناسبات والتي توحي بأنها دولة قانون وعدل ورفاهيه ومساواة، لتشي بعمق الازمه الاخلاقيه بنهجها المشجع على الإجرام المرادف للظلم والطغيان وسط الجرائم الممتده ألسنتها وبلا هواده باتت روتينيه، حتى فقدت وقعها على نشرات الاخبار ليصبح المواطن الفلسطيني بموجبها بين فكي كماشة الاحتلال والعصابات المسلحه التي انتشرت كآفة تتصرف باليد المطلقه دون حساب من احد او عقاب، وضعت مليوني مواطن عربي على أعتاب حروب اهليه  وفوهة البنادق والاسلحه والتصفيات، حصدت في طريقها العشرات من الارواح على خلفيات عديده اغلبها "الثأر والشرف والمال " 

وفضلاً عن تلك الاسباب فإن جرائم القتل المستعره  هنا وهناك لم تكن لتأتي من فراغ، ففي مفهوم التسيّب والفوضى الامنيه تبرز عادةً النوايا المبيّته في التخطيط والتدبير والتي كان لاسرائيل يد الطول فيها، وخط سارت في نهجهه على مدى عقود طوال، ناهيك عن الأزمات الاجتماعيه التي كان لها الوقع الاكبر على حياتهم، باستنزافها لمقدرات شبابها والنيل من معنوياتهم بعد انسداد آفاق المستقبل أمامهم والتي أفرزته سوء الاحوال الاقتصاديه والمعيشيه بحيث ألقت بثقلها عليهم من فقر وبطاله وتهميش،  فباتوا يعيشون  حاله من  التفكك والضياع،  فكان الخيار الذي لا مفر منه  بعد ان اضطر العديد منهم للارتماء بأحضان العصابات المسلحة والمتاجره  بالسوق السوداء وبالمخدرات، فتحولوا الى مِعوَل هدم لها  بعد ان كانوا وسيلة بناء

فكان سببا كافيا لتفكيكها وتفتيتها من الداخل وذاك مبلغ غاية كل محتل.. بأن تكون الامة في شقاق، فهم يدركون جيداً ان الفتنة اذا دخلت المجتمعات فنادراً ما تغادرها،  يبتغون الى ذلك سبيلاً عبر تقسيم الشعوب لميلشيات واحزاب ليس اقراراً منها بهؤلاء، بل تتمه لمشروع الاحلال والاحتلال، و سعياً منها لخلق انسان مهشم ومهمّش داخلياً.. منزوع الوطنيه والانتماء... لإحكام السيطره عليه والنفاذ منه وإليه بعدما عجزت ذخيرتها العسكريه عن اختراق جدران اللحمة الوطنيه  فكان الطُعم الذي غصت به الشعوب العربيه دون استثناء...! وكيف لا وهي دولة المهمات القذره والاساليب الملتويه والمؤامرات.

 فتراهم بين الحين والآخر يسارعون لبث سمومهم عبر اللجوء الى ادبيات الفوضى الهدّامه لترتفع هذه الايام وتيرة جرائم القتل التي تمارسها عصابات مسلحه، حجزت لنفسها مكاناً داخل التجمعات العربيه  في الداخل المحتل، التي باتت مرتعاً لما يقارب سبعة عصابات في ظل فراغ أمني تركته اسرائيل عامده متعمده بتغاضيها عن البلطجه واقتناء ما يقارب نصف مليون قطعة سلاح غير مرخصه، تعلم اسرائيل جيداً مكان تواجدها و من يحملها   وتعلم ايضاً بأن سبعين بالمئه منها مصدرها الجيش الاسرائيلي،  حتى بات التسيب الامني في تلك المناطق يكاد يكون هو النموذج والعنوان الاكثروصفاً وقراءة والمنتج المعد مسبقاً للاستهلاك المحلي العربي منذ ان وطأت اسرائيل بقدميها على الارض الفلسطينيه لخلق بيئه يسودها الخوف وانعدام الامن والاستقرار، بعد ان تم توزيعهم ما بين فريسة وصيّاد، حيث المواطن والرصاصه هنا متساويان.. فبات توضيح الواضح من الفاضحات لسياسه تهدف في الاساس لحرف اهتمام الشعوب لهمومهم الوطنيه واهمالهم للتحرر ونبذ العنصريه بحقهم واللامساواه، ليصبح مبلغ همهم تحسين الظروف المعيشيه والنوم ملئ الجفون متعطشين  للأمن والامان.

 ليتقاسم الصوره مشهدان متناقضان بين من يعيشون حياة القرن الواحد والعشرون بكافة كمالياتها بالأحياء اليهوديه وبين من يكافحون للحفاظ على حياة لا تتعدى في انسانيتها العصور الحجريه في الاوساط العربيه في ظل واقع و مستقبلاً ضبابياً و مشاهد باتت شبه يوميه توحي بتسلل الارهاب الى قراهم ومدنهم مع تنامي الممارسات الخارجه عن القانون  لعصابات اجراميه تمارس الاجرام بأريحيه تحظى بحصانة أمنيه  اسرائيليه تفوق تلك التي بات يفتقدها الساسه و النواب العرب، والتي ترعرعت على ما يبدو من رحم شريعة الغاب فيكفيهم ما فيهم انهم يتربعون على قاعده عنصريه بغيضه  تنادي" بالموت للعرب " ليجد المواطن نفسه امام رصاصة عشوائيه قد تتسبب في اشعال فتيل برميل بارود الحروب الاهليه الذي بات على وشك الانفجار.
 

فوسط عدم اللامبالاه من سلطات الاحتلال والهروب من مسئولياتها تجاه المناطق التي تقع تحت سيطرتها وسلتطها  والتي لطالما كانوا على هامش اهتماماتها لعقود و سنوات، رعايا بلا رعاية تتعامل معهم بعنصريه وازدراء، تُعرّفهم كأعداء وعلى انهم  جسم مرفوض و أبناء اقليات  في منطقه تم تهويدها بالكامل  ليتحولوا بموجبها من اصحاب الارض الى غرباء فيه ومواطنين في دوله اقيمت على أنقاض مكانهم.

 فما كان تحت الرماد لسنوات خرج الى العلن في ترجمه ميدانيه لكراهية العرب  فيكفي ان تنظر حولك ليعطيك سلفاً فكرة  توحي بأن التهميش والانعزاليه هي الصفه الطاغيه على المدن والقرى العربيه، وان الحكومه الاسرائليه غائبه عن حياة المواطن العربي والمواطن العربي غائب عن طاولة الحكومه والمؤسسات،  فليس عسيراً وقد بات سراً مذاعاً ادراك دوراسرائيل بتعبيدها الطريق بسلاحها وبصمتها وتغاضيها عن جرائم مكتملة الاركان،  فهي لم ولن تكن يوماً  طرفاً في الحل، وانما مشاركاً فعلياً فيه كلاعباً قد يكون غائباً ولكنه في حقيقة الأمر حاضراً يمارس العزف على اوتارها.

 فباسم حالة الفلتان تعمل اجهزة الاحتلال على تصفية حساباتها مع الحركات الاسلاميه بشكل خاص حيث تؤمن بأنها حجر عثرة امام مشروعه الاستيطان والتهويد وهذا ما لمسناه في مقتل الناشط والقيادي في الحركة الاسلامية  محمد ابو نجم،  فالرصاصة التي يُقال بأنها عمياء ترى اسرائيل من يحملها و يطلقها ،ولكن نادراً ما توقفه، الا ان الوضع يكون مختلفاً بالتمام  والكمال عندما يكون الضحيه يهودي.

 فهي  ليست بحوادث  متفرقه  او يتيمه  وانما نهج من باب الثقافة الاسرائيليه  القائمه على مبدأ "انهض باكرا واقتل اولا "..!  وتتمه لمشروع الاحتلال تكشّفت خيوطها عبر سياسة الهدم من الداخل إغراق البلاد والعباد بمستنقع  التصفيه خارج القانون بمنحها يد العصابات مدىً أطول للعبث بأمنهم  فوفق المنظور الاستراتيجي الاسرائيلي بطبيعته الاستعماريه، يتجذرهذا النهج في العقليه الصهيونيه فهم لا يملكون سوى الاستعمار وغزو الشعوب فكرياً وثقافياً ومجتمعياً نهجاً وسبيلاً  لتُعرّي حقيقة ما تروج له من قيم لانسانيه زائفه والتعايش السلمي  لا تجد سبيلها بيسر الى المدن والقرى العربيه،  فبدلاً من تضيقها رقعة الاجرام تحاول جاهده حبس العنف والقتل داخل البلدات العربيه منعاً لانتقاله الى المناطق التي يقطنها اليهود حيث تشير المؤشرات الى زيادة تلك الجرائم عشرة اضعاف عن تلك التي تحدث في الاحياء اليهوديه ليتعدى القتل المتورطين مع العصابات الى قتل الرموز السياسيه و المدنيين الابرياء، ومن يتظاهر مطالباً باجتثاث العنف او سحب السلاح فإن القمع يكون له بالمرصاد، ويكون رد فعلها في الغالب ازاء جرائم القتل باغلاق الملفات حتى انها في الكثير من الحالات لا تكلف نفسها عناء البحث عن الفاعل الذي من المؤكد انه لم يطرح في حساباتها  بالاساس ومع كل هذا وذاك ومع كل هذه المآسي والتحديات تبقى هناك بارقة ضوء وامل في نهاية كل نفق مظلم  هي القبس المضيئ  في عتمة الظلم والاستبداد مهما عظمت المآسي وكترت الصعاب..

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.