سعد الحريري... لن يعتذر
مقالات

سعد الحريري... لن يعتذر

«الورد ما بيطلب مَيْ... الورد بيبقى سكوت.... اذا ما سقيتو شوي شوي عَ السكت بيموت»، بهذه الكلمات البسيطة الضاربة في عمق العاطفة الصادقة التي كتبها الشاعر اللبناني نزار فرنسيس، ولحّنَها الموسيقار الراحل ملحم بركات، أعطت الأغنية مشهدية الحب.
ولكن في عيد الحب، أخذ اللبنانيون يتندرون، بأن ثمن شراء باقة ورد للمحب، أصبح يعادل الحد الأدنى للأجور في لبنان، وعلى يوم الحب... السلام.
على كل حال، لم تمر ذكرى 14 شباط بسلام، ولم يكن الأمر يحتاج إلى ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري لتثبيت أن الأمور ذاهبة إلى المواجهة، وأنها لا يمكن أن تنتظم مجدداً بين بيت الوسط مقر الحريري وبعبدا.
والحدة التي طبعت كلمة سعد الحريري في ذكرى استشهاد والده، لن تمر بهدوء، رغم محاولته حصر التفاوض عند رئيس الجمهورية وليس صهره ورئيس الظل جبران باسيل، وتحديد السقف المتاح بما لا يتجاوز شروط الخارج.
كما أن لقاء ميشال عون وسعد الحريري الفاتر قبل أيام حملَ مؤشرات سلبية تُشير إلى الأفق المسدود لتأليف الحكومة، وعكس حجم الخلافات غير المسبوق الذي وصلت إليه العلاقة بين الطرفين، وإلى أن الوضع الحكومي عاد إلى نقطة الصفر، كما العلاقة بين الرئاستين دخلت منعطفاً خطيراً لم تشهده من قبل، ولم تنفعها الجولات الخارجية التي قام بها سعد الحريري. فالرجل الآتي للتو من جولةٍ خارجيّة قادته إلى فرنسا، بعدما مرّ من خلال الخليج، وكان عنوانها تشكيل حكومة اختصاصيّين غير حزبيين، كممر إجباري لإنقاذ لبنان، لم يستطع أن يقر ذلك بالضغط على ميشيل عون، والنجاح بتمرير تشكيلته الحكومية.
ومن وجهة نظر تيار المستقبل، فإن الرئيس الحريري تحمل الكثير من الإساءات وتوقع اعتذاراً عن الفيديو المسرب وكلام رئيس الجمهورية بحقه ووصفه «بالكاذب»، ليفاجأ بالمزيد من التنمر حول جولاته، والإشارة إلى أنه هو من طلب موعد الزيارة من رئيس الجمهورية.
على كل حال، خطاب الحريري لم يحمل أي إشارة إلى نيته رد التكليف، وهو يؤكد أن سعد الحريري لن يعتذر، ولا تضمّن اي «صيغة» يُمكن أن تكسر الستاتيكو القائم، بل اقتصر على التصويب بقوة على موقف عون.
الخلاف إذاً عميق وكبير بين الجانبين، والثقة مفقودة تماما. كلّ منهما له روايته الخاصة لما دار خلال فصول التشكيل على مر الأسابيع.
ويبدو أن الجرة انكسرت بشكل نهائي ولم تعد قابلة للترميم، وليس سراً أن الفريق الرئاسي بات يتطلع إلى تكليف شخصية أخرى غير الحريري، أو إلى تفعيل حكومة تصريف الأعمال الحالية.
ولم يعد هذا الفريق يخفي رغبته بسحب التكليف من الحريري، دون القدرة على ذلك دستوريا، المطلب العوني بإزاحة الحريري اصطدم بالحلفاء قبل الخصوم، ما جعل عزلة جبران باسيل تنسحب على الداخل بعد عقوبات الخارج، فما كان منه إلا استحضار اتفاق مار مخايل مع حزب الله واستنفار العصب الطائفي تحت عنوان «الدفاع عن حقوق المسيحيين»، وصلاحيات الرئيس الماروني.
غير أن سعد الحريري رفض في خطابه بشدة الاتهامات والافتراءات الموجهة إليه بأنه يسعى إلى التغول على صلاحيات الرئاسة الأولى، وأنه يريد التفرد بتسمية الوزراء، دون مشاركة عون.
لذلك لجأ الحريري إلى مكاشفة اللبنانيين بحقيقة المأزق الحكومي، عندما أخرج في خطابه ورقة ملونة قال إنه سلمها له عون، بلائحة بأسماء الوزراء المسيحيين الذين ينوي توزيرهم، ما تسبب في إحراج قصر بعبدا.
وخاطب الحريري الذين يهاجمون الحريرية السياسية، بتفنيد معنى «الحريرية السياسية»: فهي تعني إنهاء الحرب الأهلية في لبنان، ووضع لبنان مجدداً على الخارطة الدولية، وتدشين مشروع ضخم لإعمار قلب بيروت، وورشة بناء لكافة المرافق والقطاعات الحيوية في لبنان.
أما مسمار حجا، الذي يطالب به التيار العوني، وهو التدقيق الجنائي في مصرف لبنان المركزي، فقد أكد سعد الحريري أنه مع فتح تحقيقات في كل الوزارات والقطاعات، بشكل قانوني وليس انتقائيا، وإن التحقيقات يجب أن تطال وزارة الطاقة أي وزارة جبران باسيل، والسدود والصناديق، وتبدأ من سنة 1989، أي منذ أن تولى ميشيل عون رئاسة الحكومة العسكرية، منذ توقيع اتفاق الطائف.
وعلى ما يبدو فلا أحد في وارد التراجع، فالمبادرة الفرنسية لم تتبدل خلافاً للتسريبات، كما أن المجتمع الدولي لن يتعاون مع حكومة يسمّي وزراءها السياسيون.
غير أن أوساط بعبدا تشي بأن ميشيل عون المعروف بعناده لن يتنازل عن الثلث المعطل، ومن وجهة النظر العونية فإن العهد المحاط بالأزمات لم يعد لديه ما يَخسرهُ أكثر، والانهيار الشامل لن يدفعه لتقديم حكومة بسهولة لسعد الحريري، كما أن الصهر جبران باسيل، سيستشرس في مواجهة ما يسميه آخر معاركه، وخصوصا بعد العقوبات الأميركية، ولن يسمح لسعد الحريري بأن يكون الفائز في المعركة.
ودفع انهيار المؤشرات الإيجابية باتجاه البحث عن حلول بديلة، منها «التدويل» للخروج من المأزق الراهن بعد انسداد الأفق الحكومي.
وعمليا، ما يحصل هو عملية شد حبال، فالرئيس المكلف يتمسك بالدستور للتأليف، ويظن أنه المنقذ الوحيد للبلاد لقدرته على جلب المساعدات من الخارج، وأن لا مهلة زمنية تُقيّد الحريري بالتأليف. بينما يعتقد ميشيل عون أنه الرئيس المسيحي القوي.
وباتت المساكنة السياسية بين الإثتين، غير ممكنة، رغم الأوضاع الضاغطة اقتصادياً ومالياً وصحياً في لبنان، ولا يبدو أي من الطرفين في وارد التراجع أو الاستسلام لفكّ أسر الحكومة الإنقاذية المطلوبة بإلحاح.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.