مستقبل العلاقات الروسية- الأميركية في ظل إدارة بايدن
منذ الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا والعلاقات الأميركية- الروسية بين صعود وهبوط، بين التنافس القوي على قيادة النظام الدولي أيام الاتحاد السوفيتي، وفرض الأيديولوجيات التي كانت سائدة حينذاك، وبين اليوم الحالي الذي يشهد صعوداً لروسيا بوتين وجهد أميركي للبقاء على رأس النظام الدولي حتى إشعار آخر.
كلما يغادر رئيس أميركي موقع الحكم ويأتي آخر، تبحث التقارير الإخبارية العالمية في مسألة طبيعة وشكل التصرف الأميركي مع روسيا، غير أن الثابت في الموضوع أن هذه العلاقة قائمة على التنافس في الساحة الدولية بين البلدين.
قبل بايدن، كان السلف دونالد ترامب معجبا بشخصية الرئيس الروسي بوتين، وتداولت الأخبار عن علاقات جيدة بين البلدين، وهي في الحقيقة لم تشهد تلك المماحكات الكبيرة، ومع ذلك تمسكت إدارة ترامب بتطبيق العقوبات على موسكو ضمن استراتيجية تقوم على أميركا أولاً.
كذلك يفعل بايدن، حيث أقدمت إدارته مؤخراً على فرض أولى العقوبات على سبعة مسؤولين مقربين من الكرملين والتشديد على التعامل مع أربع عشرة شركة، على خلفية تسميم المعارض الروسي نافالني، وسبق للإدارات الأميركية المتعاقبة أن فرضت هذا النوع من العقاب على مسؤولين وشركات روسية.
هذا الفعل لا يعني بالضرورة مؤشراً على احتمالات العودة إلى الحرب الباردة بين البلدين، لكنه قد يشكل عنواناً لسياسة «الملاكمة الناعمة»، وفي حقيقة الأمر هذا قد يكون من مصلحة الولايات المتحدة الأميركية وروسيا للتركيز على التنافس حول قيادة العالم.
بالنسبة لواشنطن يهمها أن تجعل من الصين وروسيا «بعبعاً» حتى تبقى على أهبة الاستعداد في موضوعات تتصل بالتطور التكنولوجي والتصنيع الحربي والاستنفار الأمني والتوسع في السيطرة على دول كثيرة، وكذلك من مصلحة موسكو أن يظل الحذر قائماً بينها وبين الغريم الأميركي.
بعد تفكك الاتحاد السوفيتي في تسعينيات القرن الماضي، دخلت الدولة الروسية في سبات عميق، وتضاءل حجمها السياسي والاقتصادي إلى حد كبير، ثم جاء بوتين إلى السلطة وأعاد الروح إلى هذا البلد وجعله يقف على أرجله ويواجه أميركا بالعودة إلى تطوير الأسلحة الثقيلة والخفيفة بمختلف أنواعها.
لا يمكن القول إن روسيا صعدت بفضل الولايات المتحدة. نعم هناك قضايا تتعلق بالطموح الروسي في العودة إلى قمة النظام العالمي، لكن التنافس الدولي جعل من القيادة الروسية تتسابق مع الزمن حتى تفرض وجودها من جديد، إدراكاً من قناعة مفادها أن واشنطن لن تبقى طويلاً في سلم النظام الدولي، وثمة عدد من اللاعبين الدوليين الذين يشتغلون على أنفسهم للوصول إلى موقع القيادة العالمية.
هناك من همس في أذن بايدن بشأن فتح صفحة جديدة في العلاقات الدبلوماسية مع الصين وروسيا وتصويبها إلى مبدأ العمل المشترك لحل الإشكالات الدولية، وهذا قد يكون مرتبطاً بتصريح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي قال قبل يومين إن بلاه لن تنشر الديمقراطية بأسلوب استخدام القوة والتدخل لإسقاط الأنظمة.
بصرف النظر عن هذه التصريحات فذلك لا يعني أن الولايات المتحدة تخلت عن «مخالبها» وستغدو الدولة الأكثر تفهماً وتفاهماً مع أصدقائها وأعدائها، إذ هناك أساليب كثيرة وأدوات إكراهية ما زالت تستخدمها ضد هؤلاء، وبالتأكيد ستحاسب روسيا على كل شاردة وواردة في فلك العلاقات الدولية.
في عالم اليوم أصبحت الحروب التقليدية غير مجدية كثيراً ومكلفة على كافة المستويات، والاتجاه السائد على الساحة الدولية يتمثل بفرض العقوبات السياسية والاقتصادية والتضييق، وهذا ما تقوم به واشنطن حالياً مع روسيا، وكذلك تفعل الأخيرة انطلاقاً من مبدأ «المعاملة بالمثل».
وعلى الرغم من العقوبات الأوروبية والأميركية على روسيا، إلا أن بوتين يلعب «ببرودة أعصاب»، ويدرك أن التعامل مع أوروبا الغربية والولايات المتحدة يتطلب الصبر لا الاستفزاز، وثمة الكثير من الميادين التي أثبت فيها الدب الروسي أنه لاعب رئيسي على الساحة الدولية.
الرئيس الأميركي الجديد سيبقى متربصاً بروسيا، وكذلك الحال بالنسبة للأخيرة التي تعمل بهدوء لتحسين وتطوير قدراتها الاقتصادية والعسكرية، وهي ذات السياسة التي تنتهجها الصين في الصعود التدريجي على سلم النظام الدولي. إنها سياسة «يتمسكن حتى يتمكن».