موسكو وواشنطن .. ودمشق ثالثتهما
مقالات

موسكو وواشنطن .. ودمشق ثالثتهما

من يقرأ ما كتبه وصرح به، جيمس جيفري، آخر موفد أميركي إلى سورية (إدارة ترامب)، لن يجد صعوبة في الاستنتاج أن ما يجمع موسكو بواشنطن، في سورية وحولها، أكبر بكثير مما يباعدهما، وأن حواراً صريحاً بين الجانبين، حول الأزمة السورية، لن ينتهي إلى فشل، خصوصاً إن قررا تحييد هذا الملف عن بقية قضايا الخلاف بينهما، وألا يجعلا من سورية، ساحة لتصفية حساباتهما المتبادلة.
أولاً: ليست لدى واشنطن «نيَّةَ» تغيير النظام أو إسقاط الأسد، هذا في عهد ترامب، أما في عهد بايدن، فإن واشنطن ستمتنع عن تغيير الأنظمة الاستبدادية، في سورية أو غيرها، كما قال أنطوني بلينكن، المطلوب تغيير سلوك النظام وسياساته... هذه نقطة بداية «جيدة» بين الدولتين العظميين.
ثانياً: لا ترغب واشنطن في الاحتفاظ بوجود عسكري دائم في سورية، ولا بنشر قوة عسكرية «وازنة» على أرضها، هذه رغبة «ورثتها» إدارة بايدن عن إدارة ترامب... لكن واشنطن تشترط في المقابل، انسحاب القوات التركية والإيرانية والمليشيات المذهبية، قبل أو بالتزامن مع سحب قواتها، جيفري لم يوضح المسألة... وهذه نقطة بداية «جيدة» ثانية.
ثالثاً: واشنطن لا تمانع «تلزيم» سورية لروسيا، وإبقاء الأخيرة قوات وقواعد على أرضها وفي مياهها وأجوائها، طالما أن سلوك النظام سيتغير، والقوات الأجنبية ستنسحب، والأهم، أن روسيا ستتكفل بأمن وسلامة الحدود السورية – الإسرائيلية، وربما تلعب دور الوسيط، بين دمشق وتل أبيب، في إطار عملية السلام، وقبل هذا وذاك، ثمة تنسيق روسي – إسرائيلي فعّال في سورية وحولها... هذه أيضاً نقطة بداية «جيدة» ثالثة.
رابعاً: أميركا ما زالت ترى في أكراد سورية حليفاً موثوقاً، وهي لا ترغب في تركهم فريسة للأطماع الإسلامية – القومية، لأردوغان والائتلاف الحاكم، وكذا بالنسبة لدمشق، فلا عودة للوراء في علاقة الكرد بوطنهم ودولتهم السورية، فقواعد اللعبة تغيرت... موسكو ليست بعيدة عن هذا الطرح، وهي أول من تقدم بمسودة دستور فيدرالي لسورية، رفضته المعارضة كما رفضته دمشق، وروسيا دولة صديقة تاريخياً للحركات الكردية في المنطقة، ويمكن لها أن تلتقي مع واشنطن حول «ترتيب» فيدرالي/ لا مركزي موسع»، للأكراد في دولة سورية موحدة... هذه نقطة بداية «جيدة» رابعة يمكن البناء عليها.
خامساً: الدولتان تريان أنه لا حل عسكرياً للأزمة السورية، وأن زمن المعارك الكبرى انتهى، وهما توليان اهتماماً بمحاربة «داعش»، وشق طريق لعملية سياسية ذات مغزى... هنا تبرز خلافات وتباينات وفجوات بين الجانبين، ومن أجل تذليلها وتجسيرها، يتعين للحوار أن يبدأ من دون إبطاء، مستنداً إلى نقاط تقارب صلبة ومتعددة.
سادساً: في الملف الاقتصادي المتشعب: انهيار العملة، تباطؤ النمو، إعادة الإعمار، عودة اللاجئين، جائحة «كورونا»، تدرك موسكو أن هذه أسلحة قوية، بَيد أنها بِيد واشنطن، لا بِيدها... وتدرك الأخيرة في المقابل، أنها ما تبقى لها من أوراق القوة والضغط (قانون قيصر)، بعد أن نجح الكرملين في تمكين الأسد من بسط سلطانه على ثلاثة أرباع سورية... في الدبلوماسية، يمكن وضع جميع هذه الأوراق على الطاولة، لتبدأ من بعدها، المقايضات والمساومات، وصولاً لـ»نقطة ما» في منتصف المسافة بين الطرفين.
خلاصة القول: إن ما يجمع القوتين العظميين في سورية يمكن أن يفتح مساراً لحل الأزمة، لكن واشنطن ليست في عجلة من أمرها، وهي ترى أن «مرور الوقت»، لا يصب في صالح موسكو - طهران – دمشق، وإدارة بايدن، لم تتناول المسألة السورية بعد، أما موسكو فهي الأكثر استعجالاً وقلقاً، فقد تُبدد جائحة سورية الاقتصادية، مكاسب «بوتين» وانتصاراته العسكرية... هنا مكمن المشكلة، ومن هنا تتناسل المساجلات والاتهامات المتبادلة.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.