الرئيس بايدن: من يمين الوسط إلى يساره؟!
مقالات

الرئيس بايدن: من يمين الوسط إلى يساره؟!

صدى نيوز - الرئيسان بايدن وأوباما مختلفان، تاريخياً، الأول كان على يمين الوسط في الحزب الديمقراطي بينما مثل الثاني وسطه.

أوباما عارض الحرب على العراق العام 2003 بينما بايدن أيدها بقوة عندما كان الاثنان أعضاء في مجلس الشيوخ.

وبايدن أيضا اقترح في العام 2007 خلال حملته للترشح للرئاسة حلاً للصراع الطائفي في العراق بتقسيمه الى ثلاث مناطق تتمتع بالحكم الذاتي على أساس مذهبي، لكن أوباما عارض ذلك في حملته الانتخابية.

بايدن أيضاً كان أكثر قرباً من إسرائيل من أوباما وتربطه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، علاقات شخصية في الوقت الذي كانت فيه علاقات نتنياهو مع أوباما سيئة. بايدن قال مراراً وتكراراً «لو لم تكن هنالك إسرائيل في الشرق الأوسط، لكان علينا إيجادها من أجل حماية مصالحنا.»

وبايدن كان من محبذي الاستمرار في دعم سياسة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، بينما كان أوباما من الداعين الى دعم الإصلاح السياسي فيه.

هذه الفروقات بين الرئيسين تعطي الانطباع بأن مقاربات الرئيس بايدن السياسية لمنطقة الشرق الأوسط ستكون أكثر ميلا لليمين من تلك التي قام بها أوباما.

لكن هنالك عاملين مهمين يدفعان بايدن لتبني سياسات يعتقد بأنها ستكون أكثر ميلاً لليسار من تلك التي تبناها أوباما.

الأول أن بايدن يأتي في ظل تراجع كبير للاقتصاد الأميركي بسبب جائحة الكورنا حيث فقدت أميركا في الربع الأول وحده من العام 2020 أكثر من 5% من ناتجها القومي، بينما زادت نسبة البطالة فيها من 3.7% العام 2019 الى 8.9% العام 2020.  

إذا أخذنا بعين الاعتبار ان الصين هي الدولة الوحيدة التي حققت نمواً اقتصادياً في العام 2020 يقدر بـ 2.3% فإن إدارة بايدن مضطرة لتوجيه مصادرها المالية لسياسات الإنعاش والنمو الاقتصادي والمنافسة مع الصين، وهي لذلك ستتبنى على الأرجح سياسات تساعدها على تقليل الكلفة العسكرية لوجودها في منطقة الشرق الأوسط.

هذا يعني أن الرئيس بايدن ليس في حساباته توريط بلاده في حروب جديدة في المنطقة تستنزف مصادرها المالية والدبلوماسية والعسكرية، وهو بالتالي سيكون أكثر انفتاحاً على مقاربات سياسية تنهي الحروب فيها بما يمكن بلاده من سحب المزيد من قواتها العسكرية الموجودة في المنطقة.

الثاني أن الحزب الديمقراطي اليوم يتكون من ائتلاف عريض يحتل فيه الاتجاه التقدمي بقيادة بيرني ساندرز موقعاً متقدماً.

هذا الاتجاه تمكن في العام 2016 من الفوز في 22 ولاية أميركية في الانتخابات التمهيدية لمرشح الرئاسة للحزب الديمقراطي. وفي في العام 2020 حصل هذا الاتجاه على ثلث أصوات الهيئة الناخبة في الحزب (1136 من أصل 3912 عضواً). في الكونغرس اليوم، يوجد مائة نائب يقولون عن أنفسهم بأنهم تقدميون.

هذا يفرض على بايدن تبني سياسات لا تتعارض مع توجهات هذا التيار في حزبه خصوصاً وأن فوزه في الانتخابات اعتمد الى حد بعيد على دعمهم له وتحديداً في الولايتين المتأرجحتين، جورجيا وبينسيلفانيا.   

النفوذ المتعاظم للاتجاه التقدمي كانت له انعكاسات واضحة في سياسات بايدن الاجتماعية حيث تبنى مشروعهم الخاص برزمة مساعدات لإنعاش الاقتصاد الأميركي تصل قيمتها الى ما يقارب تريليوني دولار أغلبها سيذهب كمساعدات مالية لمن فقدوا أعمالهم خلال جائحة الكورونا.

كما تبنى بايدن موقفهم من ضرورة وضع حد أدنى للأجور (15 دولاراً للساعة) يتم تطبيقها تدريجياً والانتهاء منها مع نهاية ولايته (اليوم الحد الأدنى للأجور في أميركا 7 دولارات).

برنامج الحزب الديمقراطي هو محصلة الحد الأدنى المتفق عليها بين القوى المكونة للحزب، لذلك اللغة المستخدمة لا تعكس كلياً خطاب الاتجاه التقدمي، رغم ذلك يمكننا رؤية بصمات الاتجاه التقدمي على هذا البرنامج فيما يخص سياسات الولايات المتحدة بالشرق الأوسط وتحديداً في القضايا المتعلقة بالتدخل العسكري في المنطقة، وفي العلاقة مع إيران والدول العربية، وفيما يتعلق بالاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.    

فيما يتعلق بالتدخل العسكري في منطقة الشرق الاوسط يقول برنامج الحزب الديمقراطي بأن الولايات المتحدة «ستنهي عقدين من تدخلها العسكري الكبير في المنطقة ومن حروبها المفتوحة فيها»، ورغم أنها لن تتخلى عن مصالحها فيها إلا أنها ستعتمد «الوسائل الدبلوماسية البرغماتية لإرساء الأساس لمنطقة أكثر سلاماً واستقراراً وحرية». إنهاء التدخل العسكري في المنطقة ودعم السلام والحرية لشعوبه هو أحد ركائز سياسات الاتجاه التقدمي تجاه منطقة الشرق الأوسط.

أما فيما يخص إيران فإن البرنامج يؤكد أن هدف الولايات المتحدة «لا يجب أن يكون تغيير النظام الإيراني» ولكن «العودة الى الامتثال المتبادل» للاتفاق النووي، واستخدامه كأساس لبدء مفاوضات جديدة مع إيران تستهدف «برنامجها الصاروخي، ونشاطها المزعزع للاستقرار الإقليمي وقمعها لمعارضيها السياسيين». هنا أيضاً نلاحظ تأثير هذا الاتجاه بإدراج جملة ان الولايات المتحدة «يجب ألا تسعى لتغيير النظام الإيراني» وهذا أيضا من سياسات هذا الاتجاه.

وفيما يتعلق بدول الخليج العربي، فإن البرنامج يحدد مبدأين للتعامل معها:
الأول، أن هذه العلاقات يجب «إعادة ضبطها لتنسجم مع مصالح الولايات المتحدة وقيمها» وعلى مواجهة «التحديات الأمنية المشروعة» ومبادراتها «لتحديث نظمها السياسية والاقتصادية» و»التعاون معها في إعادة ربط العراق بجيرانه وحماية استقراره وأمنه.»
والثاني، أن الولايات المتحدة لا مصلحة لها في دعم «الصراعات الداخلية بين هذه الدول» و»حروب الوكالة الكارثية» التي تخوضها أو في الجهود التي تبذلها بعض دولها «لدحر الانفتاح السياسي في منطقة الشرق الأوسط» أو في «دعم الاتجاهات الاستبدادية فيه». جميع ما ورد في هذا البند تحديداً يمكن قراءته في مراكز الأبحاث التابعة للاتجاه الديمقراطي مثل معهد كوينسي لفن السياسات المسؤولة.
أما ما يتعلق بإسرائيل وفلسطين، فإن البرنامج بعد تأكيده لعمق العلاقة مع إسرائيل، يؤكد على «أهمية مبدأ حل الدولتين من خلال المفاوضات» وعلى حق الفلسطينيين «في العيش بحرية وأمن وفي ظل دولة تخصهم قابلة للحياة». وهو يؤكد على رفضه للاستيطان ولسياسات الضم للأراضي الفلسطينية.
الاتجاه التقدمي فشل هنا في إدراج بند مثل انهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، لكن التأكيد على حق الفلسطينيين في العيش في ظل دولة تخصهم وعلى رفض الضم والاستيطان يسجل لهذا التيار في ظل التأييد الكبير الموجود لإسرائيل في الحزبين.
بايدن بلا شك لن يصبح يسارياً، لكن العوامل البنيوية الناتجة عن تراجع الاقتصاد وعن قوة الاتجاه التقدمي في الحزب الديمقراطي ستفرض عليه بلا شك أن يميل أكثر لليسار، وان يستمع لما يقوله هذا الاتجاه إذا ما أراد الحصول على تأييد حزبه.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.