«كورونا» تضعنا على المحك!
صدى نيوز - «الوضع خطير جدا ولم يسبق له مثيل، يوجد انتشار للوباء بشكل كبير جدا، ونسبة إشغال المستشفيات وصلت 100%، ناقوس الخطر دق في فلسطين «نسبة المصابين من بين الذين أجروا فحوصات بلغت 28%» الكلام للمتحدث باسم وزارة الصحة د. كمال الشخرة. وكانت وزيرة الصحة د. مي كيلة قد استعرضت المشهد الصحي الفلسطيني في لقائها الإعلاميين وقالت، إن المنحنى الوبائي يتصاعد في كافة المحافظات، وإن الموجة الثالثة للفيروس أكثر فتكا وانتشارا، والوفيات ترتفع، ومتوسط عمر الوفيات يقل. كما أن 90% من الإصابات تنتمي للسلالتين البريطانية والجنوب أفريقية. فضلا عن ذلك فإن ما نراه ونسمعه من تجارب المصابين وذويهم، وفي تقارير المراسلين، يفوق ما صرحت به الوزيرة والناطق الرسمي لجهة إشغال المراكز الصحية بنسبة تصل إلى 140% في مجمع رام الله الطبي مثلا، ولجهة وجود حالات كثيرة في الممرات وقاعة الانتظار داخل مستشفيات، ووجود حالات متزايدة في البيوت بحاجة الى دخول المستشفيات ولا يوجد لها أماكن داخلها.
عندما يداهم الناس خطر يهدد حياتهم، فإنه يضع الجميع على المحك. وهنا، تتفاوت المسؤولية بين الحكومة باعتبارها المسؤول الأول عن الحالة الصحية، وبين قوى سياسية ومؤسسات وفعاليات اقتصادية وإعلامية وأمنية ودينية من جهة، وبين المواطنين في الجهة الأخرى. إزاء ذلك، من حق أي مواطن أن يتساءل عن الأسباب التي أوصلتنا الى هذه الدرجة من الخطر، هل كان ذلك إجباريا ولا مناص من حدوثه أم أن تفادي دخول الخط الأحمر والتقليل من نسبة الخسائر كان ممكنا.
إن أخطر ما في وضعنا هو حالة اللاثقة التي تنتشر بين المواطنين. بعيدا عن أي مبالغات أو تسجيل مواقف في وسائل التواصل الاجتماعي. فما يسمعه المرء من أفواه العديد من المعارف والأصدقاء يشي بأزمة ثقة، وعدم اقتناع المواطنين بالخطاب الرسمي وبالإجراءات المتبعة في كل ما يتصل بجائحة كورونا، حدث ذلك، بعد النجاح الرسمي في المرحلة الأولى. التعامل مع الطعومات التي وصلت للحكومة كانت نقطة فارقة في زعزعة الثقة بين المواطنين والحكومة. لقد تكتمت الحكومة عن التوزيع ولم تكشف عن ذلك إلا بعد ضغط الرأي العام ومطالبة منظمات حقوقية. التكتم كان بسبب التوزيع المخالف للبروتوكول المعتمد من منظمة الصحة العالمية والذي يستند الى مبررات إنسانية أخلاقية، والى الحاجة للحفاظ على قدرة المجتمع على العمل، وحماية البنية الصحية. بحسب البروتوكول يحتل الجهاز الطبي أولوية للتطعيم، يأتي بعد ذلك المصابون بأمراض خطرة (سكر وضغط الدم وقلب وكلى وسرطان وربو ...) يتبعهم أي أشخاص تتزايد خطورة إصابتهم نتيجة لطبيعة وظائفهم - غير الجهاز الصحي - التي تستدعي الاختلاط مع المواطنين. ما تم الإعلان عنه رسميا بعد توزيع 12 ألف طعم يفتقد الى الشفافية ويتعارض مع البروتوكول في العديد من النقاط.. ولا يمكن ردم الهوة إلا باعتماد خطة وطنية صريحة لتوزيع اللقاحات القادمة بالاستناد للبروتوكول، وللشفافية في التنفيذ، والأهم الاعتراف بالأخطاء التي ارتكبتها الحكومة ووزارة الصحة والاعتذار للمواطنين.
القضية الأهم، لماذا تأخرت فلسطين في الحصول على اللقاح، مقارنة بدول الجوار كالأردن ولبنان؟ لماذا تلتزم الشركات مع دول أخرى ولا تلتزم مع فلسطين؟ ثم لماذا لا نحمل الدولة القائمة بالاحتلال مسؤولية تأمين اللقاحات. لا سيما ان لديها وفرة من الطعومات، وتستخدمها في إبرام صفقات سياسية وانتزاع مواقف وفي تبادل محتجزين وأسرى بشكل غير أخلاقي. نحن دولة تحت الاحتلال بحسب التعريف الرسمي الفلسطيني، وبحسب تعريف منظمات حقوقية. ومسؤولية تأمين اللقاحات لشعب او دولة تحت الاحتلال مسؤولية دولة الاحتلال، وبلغة أعضاء كونغرس أميركي أهمهم ساندرز، وبحسب أعضاء المنظمة الإسرائيلية «أطباء من اجل حقوق الإنسان»، وحقوقيين وإعلاميين إسرائيليين، فإن تأمين اللقاحات من مسؤولية دولة الاحتلال الإسرائيلية. لماذا لا تطرح الحكومة الفلسطينية تقاعس حكومة الاحتلال عن تقديم الطعوم، في خطابها السياسي والإعلامي والحقوقي، وتثبت مطالبتها على الأجندة الدولية كمشكلة مطلوب حلها بأسرع وقت ممكن. إن حصول فلسطين على لقاحات من دولة الاحتلال، حق طبيعي واستحقاق يجب أن يدفعه المحتلون، وليس له علاقة بوجود أو عدم وجود سيادة، ولا يعني تنازلا فلسطينيا لدولة الاحتلال. المشكلة كما تتبدى في العجز الفلسطيني عن تأمين حد أدنى من اللقاحات بشكل مستقل، وتتبدى أيضا في الاستنكاف الفلسطيني عن مطالبة دولة الاحتلال بتأمين الطعوم. مع أن الخطر الذي يهدد سلامة المواطنين يستدعي قلب كل حجر بحثا عن حلول.
المشكلة لا تقتصر على الموقف الرسمي، فأين «وقفة عز»؟ أين أصحاب رؤوس الأموال من الفلسطينيين داخل الوطن وخارجه؟ فقد جاءت مبادرة «وقفة عز» في شرط مجتمعي أقل حاجة بما لا يقاس عن حاجة المواطنين المهددين بخطر الموت والإصابة بالمرض راهنا، لم يكن لدينا 150 ألف عامل فقدوا وظائفهم، ولم يكن الجهاز الصحي مهددا بالانهيار وبحاجة ماسة الى دعم وتطوير بنيته. لم يكن ملايين الفلسطينيين بحاجة ضاغطة للقاح. أين «وقفة عز»، الآن؟ ما يحدث، الآن، هو عكس «وقفة عز» للأسف، هو وقفة عجز مهينة لكل فلسطيني، ما يحدث ليس تنافسا على الإنقاذ وإيجاد الحلول، بل تبادل للاتهامات وتنازع على وقف الإغلاق واستمراره، حفاظا على الأرباح. سيسجل التاريخ هذا التقاعس المحمل بخطر الموت لأعداد متزايدة من هذا الشعب المنكوب في شتى الميادين.
قد يقول البعض، ان مهمة الإنقاذ مناطة بالحكومة وحدها، وتحديدا مهمة تأمين اللقاحات، وتأمين الأموال، وتطوير الجهاز الصحي كأولوية. نعم، تتشارك الحكومة من موقع مسؤول أول مع أصحاب رؤوس الأموال في عدم درء الخطر، وعدم اتباع سياسات إنقاذ حقيقية. إذا كان دخول الخط الأحمر بفعل مضاعفة الإصابة بـ»كورونا» هو نتيجة مؤسفة، فإن ذلك لا يعني ان الجهاز الطبي الفلسطيني لا يعمل بتفانٍ، ولا يمكن إنكار مساعي تطوير البنية التحتية ورفع مستوى القدرة الاستيعابية في عدد من المستشفيات، هذا التقدم لا يتناسب مع الانتشار السريع للفيروس ولا يمنع تهديده لأعداد متزايدة من المواطنين. هجوم «كورونا» يستدعي تغيير السياسات لا سيما سياسة الحصول على اللقاح. يستدعي فرض ضريبة «كورونا» على أصحاب رؤوس الأموال، وإحياء العمل بتجربة «وقفة عز» وبخاصة لأصحاب الرأسمال الفلسطيني في الخارج، وإدخال تعديلات على لجان الطوارئ بما في ذلك لجنة الطوارئ المركزية، وإدخال تعديلات على الجهاز الدبلوماسي وبخاصة السفراء الذين لم يكن لهم دور فاعل في تأمين اللقاحات. وممارسة العقوبات على المنتهكين لإجراءات السلامة.