الجماهير ليست مادة للتسلية
مقالات

الجماهير ليست مادة للتسلية

يتلذذ البعض بالتركيز على نقاط الضعف والسلبية في الآخَر دون أن يرف له جفن انه جزء من المسؤولية للحظة واحدة، إذ بتنا نلعب في الوطن لعبة الكرة الملتهبة التي يلقيها الآخر بيد غيره فيلقيها هذا بيد غيره، والكرة الملتهبة اليوم هي المسؤولية نلقيها على آخرين ونحن منها براء، وكأننا جزء من كوكب آخر لسنا على ذات البقعة وحتماً لسنا على ذات المستوى من المسؤولية.
منذ إطلاق حملة التطعيم في البلد ذهبت صوب مركز التطعيم في صحة البيرة للاطلاع على وضع الإجراءات كون حقوق المرضى جزءاً من حقوق المستهلك، وسجلت ملاحظاتي وتابعتها وتلقيت ملاحظات من محافظات أخرى وتيقنت منها ووثقتها، وأضفت لقناعتي بالشراكة في العمل بالتوجه صوب الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان (ديوان المظالم) فتم توثيق إفادتي، وطلبت من اشخاص أعرفهم قابلتهم في مركز التطعيم توثيق افادتهم، ومن ثم أُخبرت من مواطنين أن الأمور من حيث الإجراءات باتت أفضل، وهذا لا ينسحب على كفاية التطعيمات للناس وآلية توريد التطعيمات من مخازن وزارة الصحة الى مراكز التطعيم، ولا ينسحب على عدم تشغيل المنصة ومهاتفة الناس بمواعيدهم لتلقي التطعيم.
بالتالي عندما نتدخل كمؤسسات مجتمع اهلي ونتابع ضمن نطاق تقاسم المسؤولية فهو أمر سيترك آثاراً إيجابية، وبقي أمامنا استمرار الضغط من أجل أحقية بيوت المسنين والمسنين القاطنين في بيوتهم ولا يستطيعون التحرك، وأصحاب الأمراض التي لا تعينهم على الحركة وحاجتهم للتطعيم المنزلي، خصوصاً أن خانة في المنصة تستفسر إذا كان لا يتمكن من الوصول الى مركز التطعيم.
واضح أن الوباء وآثاره الاجتماعية والاقتصادية وعلى المرأة والطفل والبيئة والمياه والأمن الغذائي هو الشغل الشاغل للناس وهمهم الأكبر، ولكن هذا لا يقلل من اهتمامات الناس بالهم الوطني العام واستحقاقاته، وبالتالي كل ما نحتاجه اليوم هو معيار الحكم الرشيد (وهو قياس كيف تتحكم المؤسسات العامة بالشأن العام وتتصرف بالموارد العامة وآلية اتخاذ القرارات الرشيدة ومدى تنفيذها أو عدم تنفيذها) للتحكم بمواردنا المحدودة في ظروف الوباء الاستثنائية وظروف الاحتلال والاستيطان، هذا هو المعيار الأساس الذي يتطلع له المواطن وينشد أن ينتخب مجلساً تشريعياً قادراً على متابعة مقاييس الحكم الرشيد ومدى تطبيقها.
يلح السؤال في الشأن العام وقضاياه المحورية والكل عينه صوب الحكومة ومؤسساتها العامة كيف تستجيب لهذه التحديات وانعكاسها على قطاعاتها، يلح سؤال من عيار (التعليم الى أين؟) (الصحة ولماذا لم نحقق استجابة مقبولة رغم أن المشاريع انهالت على القطاع الصحي من العام 1994، سواء بمستشفى اوروبي أو تركي أو اميركي أو عربي؟) (معايير التعاطي مع قضايا التنمية الاجتماعية؟) (قضايا الإسكان كحق اساسي من حقوق الإنسان، هل فعلنا ما يكفي في هذا الملف لتحقيق السكن الملائم؟) (الزراعة وصيانة الأرض والمياه وعوامل الصمود؟) ( الدفع المسبق للفواتير هل هو تعامل إنساني لائق؟).
مشكلة الحكومة أنها لا يجوز أن تبدأ من الصفر كما كان حال الحكومة التي سبقتها، سواء بهدف نفي ما سبق وتحقيق قصب السبق، أو لأي سبب آخر، منذ تسمية اول رئيس وزراء في فلسطين بات لدينا ادبيات تتعلق برؤية الحكومات المتعاقبة ومشاريعها وأولوياتها وخطط كل حكومة الخمسية والثلاثية وغيرها، بالتالي من المنطق ان تكون الحكومات حكومات إتمام ما بدأ به الآخر وعدم نفيه. والمقصود هنا ان الحكومة الحالية مسؤولة عن مِنح 1994 وعن منح 2007 وعن حسن التصرف بالشأن العام او سوء التصرف به، ومع ترك بصمة لكل حكومة تشكل إيجابية جديدة.
لا تتذاكوا علينا ولا تتهربوا بالتذاكي بحيث تضعونا في زاوية (لا تنظروا للنصف الفارغ من الكأس) وكأننا نرى كأساً من الأساس، عذراً، ولا تنعتونا بالسلبية لمجرد أننا سألنا ما هو مصير التعليم في فلسطين، ما هو مصير الوضع الصحي في فلسطين، نحن على الأقل في المجتمع الأهلي نحمل كتفاً معكم ولا يعقل أن تتشاطروا علينا بقصص النصف الفارغ من الكأس، دعونا نحمل هم وشأن الناس لعلنا نعينكم على متابعتها بدلاً من جولات تفقد واطلاع، وبدلاً من رفع السقف ونحن سقفنا يا دوب قادرين عليه.
القادم أصعب حتماً في ضوء الانتخابات التشريعية، حتماً سنرى برامج وخطابات انتخابية لا تلامس واقع الناس ستذهب بنا صوب حلم بعيد بعيد ولكنها لن تكون عنا ولنا، وقد يتخللها بعض أدب البكائيات والمرثيات على شيء مضى لننال مقعداً أو مقعدين أو خمسين مقعداً، وبعدها سنرى الجماهير بمنظار الحكومة (تريدون تحميلنا مسؤولية غياب التشريعي كل هذه السنين) (دعونا نجلس على الكرسي لنعرف من أين نبدأ).
القادم أصعب لأننا سنكذب وستأتي نتائج الكذبة على رؤوسنا. فكل من يستشيرنا (أريد أن أترشح) سنشد على يده من باب المجاملة والدبلوماسية وبالتالي نكون قد جاملنا 132 شخصاً، وهؤلاء سيشكلون عبئاً علينا في المستقبل ونكون انتجنا كذبة كبيرة، من اليوم كونوا موضوعيين ولا تقيدوا أنفسكم بشروط وضعت لتناسبهم هم ولا تناسبنا نحن ولا القواعد الجماهيرية، وتصبحوا على ما فعلتم نادمين، شروط تقييد فرصة الشخصيات الملتصقة بالجماهير وهمها من الترشح، وستتيح لرأس المال ومثقفي البلاط أن يكونوا في كل القوائم على قاعدة الانسلاخ الطبقي مثلاً، وكأن أحداً ينسلخ عن مصالحه القائمة.
 

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.