لماذا يستثمر "جو" في بيته؟
في إطار المنافسة العالمية والبقاء في أعلى هرم النظام العالمي، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن عن خطة مرتبطة بتحسين البنية التحتية، تشمل النقل والخدمات العامة والطرقات والجسور، ضمن مدة زمنية ربطها بثمانية أعوام وتخصيص مبلغ حوالى 2 تريليون دولار.
قبل إعلان هذه الخطة بأسبوع، خرج بايدن في مؤتمر صحافي ليعلن اعتزامه الترشح لولاية ثانية، في رد على منافسه الجمهوري دونالد ترامب الذي اتهمه بأنه عجوز وغير قادر على القيام بمهامه، وثمة ربط إن جاز التعبير بين إعلان الترشح للانتخابات مرة أخرى وبين إطلاق مشروع بايدن التنموي الضخم المحدد سقفه الزمني بولايتين انتخابيتين.
سبق أن طرح موضوع الاستثمار في البنية التحتية الأميركية وتحديثها طيلة سنوات كثيرة، وآخرها خطة ترامب المقدرة بـ1.5 تريليون دولار لإعادة بناء البنية التحتية المتهالكة، ما يعني أن خطة بايدن قد لا تلقى القبول خصوصاً بين الجمهوريين في الكونغرس.
بايدن ركز في معرض حديثه عن خطته على الطبقة الوسطى التي قال إنها من «شيّد أميركا وليس وول ستريت»، وأكد أهمية هذه الطبقة والنقابات العمالية، وفي ذات الوقت لفت إلى أن تحديث البنى التحتية بما في ذلك إصلاح أكثر من 32 ألف كيلومتر من الطرقات سيخلق وظائف بالملايين.
ثمة تحديات تواجه هذه الخطة، لعل أولها حجم الإنفاق الكبير عليها، وبالتالي استنزاف الاقتصاد الأميركي وعدم قدرته على تلبية مثل هذا المشروع الضخم، وثانياً يراهن بايدن على تحصيل حوالى 1.5 تريليون دولار خلال خمسة عشر عاماً وضخها في المشروع عبر زيادة الضرائب على الشركات الكبرى والأغنياء من 21% في عهد ترامب إلى 28%.
حسب تصريحات الرئيس الأميركي، هو لا يريد المساس بالضرائب خصوصاً ما يتعلق بالطبقة الوسطى، وسبق أن تعهدت حملته الانتخابية قبل توليه رئاسة البلاد بعدم زيادة الضرائب على العاملين الذين يتقاضون راتباً لا يتجاوز 400 ألف دولار في السنة.
وفي نفس الوقت ألمح إلى أن الأغنياء وحدهم من استفادوا من التخفيضات الضريبية في فترة رئاسة ترامب. كما أنه «فتح النار» على الشركات الكبرى مثل «أمازون» التي قال إنها تدفع ضرائب قليلة، ويبدو أنها محاولة من جو الديمقراطي لتقليل الفجوة الهائلة بين الدخول في المجتمع الأميركي.
بالتأكيد سيقف الجمهوريون وأصحاب الشركات بقوة ضد هذه الخطة تحت قبة البرلمان وخارجه. غير أن ما يلفت النظر أن خطة بايدن تتجاوز مسألة تحديث البنية التحتية الخدمية، إلى التركيز على التغير المناخي والبيئة النظيفة وتشجيع الشركات على صناعة السيارات الكهربائية، وكذلك صناعة البطاريات بدلاً من استيرادها من الصين، وتشجيع المواطنين على شراء المركبات الكهربائية التي لا يتجاوز سوقها في أميركا 2%.
هذه الخطة تحمل بعدين الأول اقتصادي داخلي أميركي والبعد الآخر تنافسي عالمي.
في البعد الأول يسعى الرئيس الديمقراطي إلى توليد وظائف جديدة وتقليل نسب البطالة خصوصاً في ظل جائحة «كورونا» التي أثرت على الاقتصاد الأميركي وارتفعت خلالها إلى أكثر من 20 مليون عاطل عن العمل.
كذلك انكمش الاقتصاد الأميركي ما يزيد على 2.4%، وهناك جيش من المواطنين يسجلون كل يوم على بند الإعانات وهم بالملايين، ولذلك أعلن بايدن عن خطة الإنقاذ وحوّل مبالغ إلى كل بيت أميركي لمساعدة مواطنيه الذين تأثروا بالجائحة، وفي نفس الوقت تحريك الاقتصاد الذي يشهد ركوداً لا يحسد عليه.
ثم إن فكرة الاستثمار في البيت الأميركي عدا أنها توفر فرصاً كبيرة للعمالة، فإنها أيضاً قد ترفع من نسب القبول والتأييد لبايدن وحزبه الديمقراطي في صفوف الأميركيين، ما قد يؤثر بقوة على المنافس التقليدي الحزب الجمهوري الذي ينتظر الانتخابات المقبلة للعودة إلى المجد وتربع عرش الرئاسة.
البعد الدولي مرتبط برغبة الولايات المتحدة في الاحتفاظ بموقعها في الصدارة، وقد جاء بايدن في حديثه على الصين والتنافس العالمي، إدراكاً منه أن تطور الصين لم يحدث هكذا فجأة، وإنما جاء نتيجة جهد وإخلاص في العمل بدأ من الأرض الصينية وبسواعد عمالها.
الفكرة من الاستثمار في البنى التحتية أن جو يريد تحصين الولايات المتحدة من الداخل وجعلها أكثر قدرة على التنافس، وفي نفس الوقت عينه وكل حواسه على الصين التي تتوسع في مشروعاتها وتغزو العالم بصادراتها المتنوعة.