أهمية حماية المستهلك خلال شهر رمضان
يمر المستهلك الفلسطيني هذه الأيام بظروف أقل ما يمكن وصفها بالأحوال الصعبة والتي لا يحسد عليها، حيث الشلل الاقتصادي من بطالة وركود ومن توقف المشاريع والإغلاقات والعزل وتكدس المستشفيات وغرف العناية المكثفة بالمرضى، في ظل جائحة كورونا التي لا تبدو لها نهاية، في ظل هذه الأمواج المتتالية من انتشار الفيروس الأفقي والعمودي، والتحولات المتواصلة من طفرات بأسماء مختلفة، والتخبط في التعامل مع هذا الفيروس على مستوى العالم وفي بلادنا، سواء من حيث قرارات الإغلاق والتطعيم والتعامل مع المرضى وتطبيق الإجراءات الوقائية وما الى ذلك.
وفي ظل هذه الأحوال الحالكة على المستهلك الفلسطيني، وخلال أقل من اسبوعين يطل علينا شهر رمضان المبارك، وكما حدث في السنوات الماضية، ولعلنا نكون مخطئين هذا العام، نعرف ومع بداية شهر رمضان، تبدأ دوامة ارتفاع أسعار المنتجات، وبالتالي القرارات حول الأسعار الاسترشادية لبعض السلع.
وكذلك القرارات بزيادة طواقم التفتيش والمراقبة والمحاسبة، والاجتماعات والمؤتمرات الصحافية التي تهدف الى حماية المستهلك والدفاع عنه وعن امواله وعن صحته في شهر رمضان، ورغم كل ذلك وخلال الايام الأولى من الشهر، ترتفع الأسعار وتزداد المبيعات وتتكدس الأرباح، وبشكل كبير وغير مبرر.
وارتفاع الأسعار بحد ذاته يعني الإرهاق المتواصل للمستهلك الفلسطيني وبالاخص في هذه الظروف، ومن كل جانب وما لذلك من نتائج وانعكاسات قد تكون وخيمة على الكثير من الأفراد والعائلات، وخاصة حين يشمل ارتفاع الأسعار جملة سلع أساسية لا غنى لها عنها، وترتبط بسلع اخرى، وحين ترتفع أسعار بعض المنتجات، من المحتمل ان يبدأ المستهلك بالإقبال على منتجات أقل سعراً، والخطورة هنا تكمن بأن تكون هذه المنتجات اقل جودة او قليلة الكفاءة، او ملوثة، وربما لها اضرار صحية وخيمة بسبب التلوث او تراكم الكيماويات.
وما لذلك من تداعيات صحية، من الممكن ان لا نلمسها الآن، ولكن يمكن ان تنعكس على الناس بعد فترة، ومع العلم وحسب تقارير حديثة صدرت عن وزارة الصحة الفلسطينية وفي ظل جائحة كورونا، ان أمراض السرطان على سبيل المثال أصبحت تشكل المسبب الثاني للوفاة في بلادنا، بالضبط بعد أمراض القلب والأوعية الدموية المختلفة.
ومهما كانت المبررات والتفسيرات لارتفاع الأسعار، الا ان الوضع وفي هذه الصورة وهذه الاحوال، لا يمكن تحميله للمستهلك، وأصبح يتطلب تدخلاً مباشراً وجدياً ومتابعة ومحاسبة ومراقبة من الجهات المختصة، لأسعار السوق، وبالأخص للأسعار الاسترشادية، التي تعلن عنها وزارة الاقتصاد، بين الفينة والاخرى، والامر يتطلب التطبيق الحازم للقوانين، وبشكل علني، ونحن نعلم ان غالبية العمال في بلادنا، لا تتجاوز الاجرة اليومية لهم اكثر من 80 شيكلاً في اليوم، اي لا تصل الى ثمن كيلوغرام من لحم الخروف، اما الأجرة اليومية لمعظم العاملات، فهي لا تبلغ الحد الأدنى للأجور، ولا تتجاوز الـ 50 شيكلاً في اليوم، اي لا تصل الى ثمن كيلوغرام لحم العجل او البقر.
ومهما تحدثنا عن اقتصاد السوق، وعن فلسفة أو نظرية العرض والطلب، وعن التقلبات الجوية، وعن الظروف السياسية، وعن آثار أزمة كورونا، وعن المعابر والحدود، وما الى ذلك، من أمور يمكن ان تساهم في ارتفاع الأسعار، الا انه لا يعقل ان تضاهي الأسعار عندنا أو تزيد بكثير عن الأسعار في الكثير من الدول، التي يبلغ دخل الفرد السنوي فيها، أضعاف وأضعاف ما عندنا.
وهذا يتطلب تغييراً جذرياً وجدياً في سياسة الجهات الرسمية، وهذا يتطلب المراقبة الجدية والمحاسبة الصارمة لجشع بعض التجار، ويتطلب التدخل الرسمي الجدي لإيقاف شبح ارتفاع الأسعار، والذي بات يرهق ويقلق الجميع، ونحن نعرف ان نسبة الفقر في بلادنا تصل الى حوالى 25%، وان نسبة البطالة تصل الى حوالى 27% من الأيادي العاملة، وربما تضاعفت خلال جائحة كورونا الحالية.
وبدون شك، ان من اهم الأسباب لارتفاع الأسعار، هو الجشع المخيف، عند بعض التجار او الموردين، واذا سألت أحد التجار مثلاً، عن سبب ارتفاع أسعار اللحوم، فيكون الجواب بسبب قلة العرض، اي قلة توفر العجول، والسبب هو انخفاض استيراد العجول، ولكن هل يعقل ان يرتفع السعر بشكل فجائي، اي هل يعقل، ان لا يملك التجار كمية من العجول او اللحوم، في الثلاجات او في المسالخ، تكفي لأيام او لأسابيع، والتي كانوا قد حصلوا عليها بالسعر القديم؟ وهل يعقل ان لا تملك الجهات الرسمية، خطة او برنامجاً لتوفير كمية من لحوم العجل مثلاً، لأسابيع او لأيام أو لشهر رمضان.
ومع كل ارتفاع جديد في الأسعار، يبدأ الاهتمام بالمستهلك وحقوقه واحتياجاته يحتل العناوين في وسائل الاعلام، حيث يبدو ان هذا الاهتمام لا يأخذ الحيز المطلوب الا اذا حدث الارتفاع ويزداد مع ازدياد حدة الارتفاع، وهذا الاهتمام سواء أكان من المسؤولين الرسميين او غير الرسميين، او من العديد من الأشخاص والهيئات، ففي العادة لا يحمل الجديد للمستهلك الذي اعتاد على مثل هكذا شعارات، والذي بات يدرك ان كل الدعوات السابقة وحملات التفتيش على الأسعار وعلى المنتجات، لا تحقق ما يتم الحديث عنه او التصريح به، والذي يبقى في المحصلة شعارات إعلامية فقط.
ورغم صدور قائمة الأسعار الاسترشادية، الا ان غياب إشهار الأسعار او إظهارها على السلعة، سواء في حسبة الخضار او في المحلات التجارية، وعدم فعالية حملات التفتيش والرقابة وذلك لعدم كفاية الطواقم او قلة الإمكانيات، وكذلك ضعف ردع القوانين وعدم تطبيق قانون حماية المستهلك الفلسطيني لعام 2005 في هذا الصدد، سوف يبقي الأسعار ترتفع حسب شهية بعض غير المبالين، وحسب مزاج او مستوى جشع التاجر او المزارع او المورد، والذي سيدفع الثمن خلال شهر رمضان او خلال غيره من الأشهر، هو المستهلك الفلسطيني وافراد عائلته.
وفي خضم هذه الأوضاع الصعبة والتي تزداد قتامة مع اشتداد وتفشي فيروس كورونا، ومع حلول شهر رمضان الفضيل، فالمطلوب هو إعادة دراسة سياسة الجهات الرسمية، وبشكل جدي، فيما يتعلق بسياسة تحديد ومراقبة ومتابعة الأسعار، وبما ان حماية المستهلك من المفترض ان يكون هو الهدف النهائي لكافة الأطراف الفعالة في هذا المجال، فمن المنطق والواجب والأهمية وجود آلية واضحة للتعاون والتنسيق لحماية هذا المستهلك، وبالأخص هذه الأيام، ليس فقط من شبح ارتفاع الأسعار المتواصل، ولكن كذلك فيما يتعلق بسلامة الغذاء بأنواعه، وجودة المياه، وتوفر ونوعية وفعالية الدواء، وما الى ذلك من أمور تصيب الحياة اليومية للمواطن، التي جعلها فيروس كورونا أكثر صعوبة.