في منتصف ليلة ذكرى النكبة… الأسير مروان البرغوثي أطلق صاروخا على تل أبيب!
بتاريخ 15/5/2021 وفي الساعة الرابعة فجرا بتوقيت سجن هداريم الاسرائيلي، ومن زنزانة رقم 28 وفي اليوم الخامس من العدوان الدموي الاجرامي على قطاع غزة وتواصل الاعتداءات الوحشية على مدينة القدس وحي الشيخ جراح والمقدسات الدينية، وفي الذكرى ال73 للنكبة الفلسطينية، وبعد 19 عاما على اعتقاله، أطلق الأسير القائد مروان البرغوثي صاروخا على مدينة تل ابيب الاسرائيلية، لم تستطع القبة الحديدية اعتراضه والتصدي له، مما دفع الاسرائيليين الى اعلان حالة الطوارئ واتخاذ قرارا عاجل بالرد على صاروخ مروان بنقله فورا من السجن وزجه في عزل سجن ايالون داخل زنزانة محاصرة وضيقة ومعتمة وذات اجراءات مشددة.
الصاروخ الذي أطلقه مروان ليس مكونا من متفجرات وبارود وقنابل، انه صاروخ سياسي فكري وثقافي واخلاقي، تأثيره دائم وليس مؤقت، صاروخ شعبي جماهيري انتفض في كل مدينة وحارة وقرية ومخيم و حرك كل عقل وساحة، صاروخ انتفاضي تفاعل مع انتفاضة الشعب الفلسطيني وهبته العظيمة واضرابه الكبير في مواجهة المحتلين وعدوانهم على حقوق شعبنا الفلسطيني.
الصاروخ المرواني هو بيان وموقف سياسي أخرجه مروان من سجنه وجه من خلاله التحية الى جماهير الشعب الفلسطيني العظيم بمحتلف قواه وفصائله وقطاعاته في ساحات القدس وقطاع غزة والضفة الغربية وفي الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، والذي سطر فيه شعبنا ملحمة الصمود والمقاومة والوحدة في مواجهة الاستعمار الصهيوني، وأعاد العلاقة مع الاستعمار الى وضعها الطبيعي ومربعها الاول، علاقة مقاومة ورفض واشتباك ومقاطعة وليست علاقة تعايش ومساومة ومهادنة.
لم تستطع الخبرات العسكرية الاسرائيلية من تفكيك صاروخ مروان وتعطيل مفعوله، الصاروخ انفجر وتصاعدت هزاته وارتدادته في مدينة القدس تاج الامة وقلبها النابض والعاصمة الابدية للشعب الفلسطيني، وامتدت هذه الارتدادات الى اللد والرملة وحيفا ويافا وعكا وام الفحم وكفر كنا وسخنين والجليل والناصرة.. الصاروخ وجه التحية الى الذين صنعوا ملحمة الوحدة والانتماء ووقفوا بكل كبرياء ووعي وثقافة امام نظام القمع والتمييز والعنصرية.. الصاروخ انفجر في شوارع وميادين الضفة الغربية، عند كل حاجز ومستعمرة .. انتفاضة واحدة من سجن هداريم حتى سجن النقب، ومن زنازين عسقلان حتى زنازين المسكوبية، شعب واحد، حلم واحد، اغنية واحدة: الحرية الحرية.
الأسير مروان البرغوثي اطلق صاروخا على تل ابيب، الصاروخ يضيء ويشع وينفجر القدس العاصمة، تتحرك الجماهير غاضبة، يقترب أكثر من رؤاه واثق الخطى لم يزل حالما بانقلاب المدار، لا طريق غير هذا الطريق الى القدس، نور الليالي وسر النهار وأشواقنا الرائعة، القدس البوصلة.
ما هذه الدولة المرتعبة المهووسة الخائفة؟ تعتقل سجينا من داخل السجن، عشرات السجانين اقتادوا مروان البرغوثي، أغمضوا عينيه، ربطوا يديه وقدميه، زجوه بسرعة هناك تحت الارض في زنزانة تشبه القبر، انه هجوم عسكري بري على مروان، لانه اعلن بان دماء اطفالنا ونساءنا في غزة والضفة وفي كل مكان ستتحول الى شموع وتنتصر على الجلاد وعلى جيوش الاحتلال، سابقى أصلي واصلي، جسدي معبد والمشي في شوارع القدس عبادة وفي ازقتها وعلى الارصفة.
صاروخ مروان البرغوثي انطلق من ظلمة السجون، أنار الكون، هل هو رسالة ام زلزال؟ وردة نازفة ام منبع عاصفة؟ تنفض في ذكرى النكبة الموت عن الميتين والغائبين والمنكوبين، تنفض غبار الجريمة عن اطرافهم وتهب فوق اشلائهم واقفة.
منذ 19 عاما ومروان يطلق صواريخا على تل ابيب، عزلوه أكثر من 30 مرة كوسيلة عقاب منذ اعتقاله بسبب هذه الصواريخ الحامية، لم يعزل اي اسير منذ عام 1967 بسبب تصريحاته وارائه السياسية بقدر ما عزل مروان، يرصدون فمه وقلمه واصابعه وكلامه واحلامه الصامتة، يراقبون مصانعه ومختبراته على ابراش السجن،مكتبته واوراقه وكتبه ومحاضراته بعد ان حول السجن الى اكاديمية وجامعة.
فشلت كل المحاولات الاسرائيلية في تحويل مروان البرغوثي الى رماد في جرة، ظل هذا الغائب حاضرا، اعتبره جنرالات الاحتلال قائد عمليات تعبر أفكاره الجدران وتتخطى الاسلاك الشائكة، يمارس الحياة الحرة في مؤبداته المقيدة، صواريخه تصل الى اهدافها بدقة والى كل اتجاهات القلب والامكنة.
تصريحات وبيانات ومقابلات واقوال البرغوثي من داخل سجنه تنظر اليها دولة الاحتلال على انها اشد من الصواريخ ذاتها، الاجساد قد تسجن لكن لا تسجن الفكرة، الفكرة تساوي قنبلة، صواريخ مروان صارت نهجا وعقيدة وممارسة ومدرسة، الصواريخ المروانية لم تنطفئ، بطاريات العقل والارادة دائما مشحونة، حارس الاسوار وهو اسم الحرب التي شنتها اسرائيل على غزة قد هرب و ترك اسواره ولباسه العسكري وكلبشاته ونشوته المجرمة.
اعترفت سلطات الاحتلال ان وصول صواريخ مروان الى قلب تل ابيب هو فشل استخباري، وحملت المسؤولية لسلطات السجون والجهات الامنية كون هذا الصاروخ فضح دولة الاحتلال امام الجهات الدولية، والقى بكل الحجارة بايدي شبان الانتفاضة، وان هذا الصاروخ اشبه بتنفيذ عملية عسكرية.
استنفر كل المتطرفين الاسرائيليين في التحريض على مروان البرغوثي الى درجة ان وزير الاستخبارات السابق يسرائيل كاتس طالب باعدام البرغوثي، بينما وصف نائب وزير الامن الداخلي الاسرائيلي السابق مايكل أورن صاروخ البرغوثي بمثابة عملية ارهابية ضد اسرائيل وانه انفجر بتوقيت القدس في ذكرى النكبة، وان البرغوثي ينفذ ضد اسرائيل عملية فدائية في الحلبة الدولية من داخل زنزانته في السجن، شخص كهذا يحتاج الى قبر في زنزانة انفرادية.
صواريخ مروان البرغوثي كثيرة ولم تتوقف عن اطلاق النار منذ اعتقاله عام 2002: صموده في التحقيق على مدار مائة يوم متحديا المحققين الاسرائيليين قائلا: أقطع يدي ولا اكتب اعترافا، قطع يدي أهون علي بكثير من ان اكتب حرفا واحدا او ان اسجل سطرا واحدا ينم عن اعتراف او استسلام لارادة الجلاد، النصر صبر ساعة.
صاروخ مروان حول محاكمته الى محاكمة لدولة الاحتلال امام كل وسائل الاعلام العالمية، لم يعترف بشرعية محاكم الاحتلال مخاطبا قضاة المحكمة قائلا: انكم لن تختلفوا عن هؤلاء الطيارين الذين يغتالون ابناء شعبي ليل نهار ويقتلون من دون تمييز، انكم قتلة مشاركين في المجازر والجرائم التي يتعرض لها شعبنا وارضنا، وصرخ البرغوثي: الاحتلال الى زوال، الاحتلال اعلى مراحل الارهاب، قاطعوا محاكم الاحتلال، حينها انفجر الصاروخ في قاعة المحكمة.
في نيسان عام 2017 انفجر صاروخ اضراب الحرية والكرامة، وعلى مدار 42 يوما من الصمود الملحمي لاكثر من 1000 أسير فلسطيني خاضوا اضرابا مفتوحا عن الطعام بقيادة مروان البرغوثي، انتفضت الارض المحتلة وتحرك العالم، صوته من داخل زنزانة العزل في سجن الجلمة صار قذيفة تهدد المحتلين وهو يردد: الاحتلال قد مات ولا مستقبل له، وان على اسرائيل ان تشيع جثمان هذا الاحتلال الى مقبرة النازية والعنصرية، لقد انجزنا من الزنزانة ما عجز الاخرون عن انجازه في الهواء الطلق، صواريخنا صناعة فلسطينية بامتياز من لحم وجوع و ملح وماء وارادة.
مروان البرغوثي اطلق صاروخا على تل ايب، صاروخ الاسرى الابطال في سجون الاحتلال، يقاتلون من اجل الحرية، ابطال حركة التحرر الوطني والاستقلال، صاروخ مروان قال للاسرائيليين: لا تحلموا بسلام مع استمرار الاحتلال، لا تحلموا بسلام مع الاستيطان، لا تحلموا بسلام مع استمرار اعتقال الالاف من ابناء الشعب الفلسطيني، الحرية بالنسبة لنا ايمان ومبدأ، وما دمتم تحتلون شعبا اخر ستبقون في المعسكر أو في الملجأ، اليوم الاخير في عمر الاحتلال هو اليوم الاول للسلام في هذه المنطقة.
صاروخ مروان البرغوثي حلق فوق قرانا المهجرة والمنكوبة في ذكرى النكبة، أكد على قرار الشرعية الدولية وقرار حق العودة، وجه خطابه لاهلنا في الداخل الفلسطيني: لم نعد اقليات متنائية ومعزولة، الوحدة السياسية والجماهيرية ووحدة الروح والمصير تتحقق، هي قنبلة الهوية العربية الفلسطينية، هي انتفاضة الذاكرة.
صواريخ مروان العديدة تدق تل ابيب، لها أصداء عالية، يرتج العقل السياسي الاسرائيلي، ترتج اجهزة الرادار والمراقبة، أصداء محمولة بأستغاثات أكثر من عشرين عائلة فلسطينية تم ابادتها بالكامل في الحرب الاخيرة على غزة، محمولة بالدماء وبالجثث والهياكل البشرية، أصداء تحفظ السجل المدني الفلسطيني، الكواشين،شهادات الميلاد، الطابو، تواريخ الملكية، جذور العائلة، الاصداء تعلن فشل الاستراتيجية الصهيونية في احتواء و تدجين واسرلة الفلسطينيين ودفعهم للهجرة او الانقراض او الانصهار، الارض تنهض من دمارها، تنهض من هيروشيما الجديدة في غزة، تنهض من ضوء الموت النازل في تلك اللحظة، تخرج من دمها ترفع راية النصر والعافية.
الصاروخ المرواني يقول: ان ممارسة مفاومة الاحتلال هي ممارسة للحرية، وهي اعلان صريح لرفض صيغة الاسياد والعبيد، اننا نريد دولة لا يحلم فيها الاطفال بالدبابات والطائرات الحربية والقتل والدمار والقهر، بل نريد دولة يحلم فيها اطفالنا بما يحلم به اطفال العالم، دولة فلسطينية كاملة السيادة مستقلة ديمقراطية عاصمتها القدس الشريف، دولة القانون والازدهار والسلام والمحبة والتعددية.
توقفت الحرب على قطاع غزة، لكنها لم تتوقف على حقوق الاسرى القابعين في السجون، الحرب مستمرة على انسانيتهم ومكانتهم القانونية، الجرائم والانتهاكات متصاعدة: الاهمال الطبي المتعمد، التعذيب، العقوبات الفردية والجماعية، اعتقال الاطفال القاصرين، الاعتقالات الادارية التعسفية، القمع والمداهمات اليومية، الاحكام الجائرة، الاسرى في المعركة، لا هدنة ولا حماية دولية، لهم صواريخهم الخاصة، يقاومون بالجوع والصبر والنطفة والرسالة والكبسولة والقصيدة، صواريخ معبأة بالارادة والصمود والارواح المتمردة.
صاروخ مروان البرغوثي حلق فوق غزة في ذكرى النكبة، شركاء في الدم شركاء في القرار، الوحدة الوطنية قانون الانتصار، هو الان في غزة، في البيوت المدمرة، في المجازر الدامية، في الشوارع العامة، الصاروخ يرفع الانقاض عن الابتسامات الشهيدة المدفونة، يحطم بالقيد اسوار سجانه العالية، يكتب انتصاراته بالصمود وبالامل وبالحجر، الصاروخ رسول القدس الى غزة، رسول الاسرى الى العائلات المفقودة، يرفع مروان من لحمه وعمره سماء تجيد الفرح والصلاة والمطر.