من مغربي إلى زهرة المدائن
إلى زهرة المدائن:
ها هم انفضّوا من حول اسمك ودم أبنائك وانصرفوا…
ها هم وضعوا مكبّرات الصّوت والرّايات ودفاتر الشّعارات في الدواليب وانصرفوا…
ها هم أنزلوا السّتارة عن حناجرهم الصّدئة وانصرفوا…
ها هم تأبّطوا شرورهم الأديولوجيّة وانصرفوا…
ها هم وثّقوا وقفاتهم بالصّور والابتسامات وانصرفوا…
هم ينصرفون على أمل أن تدمع عيناك مرّة أخرى…أن يخدش جبينك مرّة أخرى…أن تدمى قدماك مرّة أخرى…فالضّواري لا تأتي للضّحيّة إلّا إذا فاحت رائحة دمها…
هم ينصرفون كما انصرفوا دائما…وسيعودون كما عادوا دائما…وسينفضون الغبار عن المكبّرات والرّايات ودفاتر الشّعارات وحناجرهم الصّدئة وشرورهم الأديولوجيّة ويأتوك فرادى وجماعات يقسمون بكلّ ما هو مقدّس أن لا حياتهم لهم وترابك مدنّس…وأن حياتهم عابسة مادامت رموشك غارقة …وأن لا عبادة لهم من دون محراب عينيك…
لم “يطبّعوا” مع العدو لكن حتما طبّعوا مع الدّم الفلسطيني. يدوّنون في الصّباح، ويتصارعون مساء على الحلويّات وملابس العيد الجديدة وصالونات التجميل والتّصفيف…
يرتشفون القهوة ويتبادلون التّهاني ويحصون أعداد الشّهداء…
هو حزن من نوع خاص طفى على السّطح منذ الانتفاضة الثّانيّة…
يا زهرة المدائن
حتما تذكرين كل وعودهم…
حتما تذكرين كل شعاراتهم الصّاخبة…
حتما تذكرين نشاز أصواتهم الباهتة أمام أزيز رصاص العدوّ…دويّ مدافع العدوّ…حشرجات الشّهداء…ونحيب أمّهاتهم…
تذكرين كم وعدوا وكم حنثوا
وبين كل وعد وحنث وحدك وأبناؤك من يصارع ليحترم القيّامة بعد الموت…ولست أكثر من Corrida de toros بالنسبة لهذا العالم العربي الصامت والفاقد قدراته على الكلام والاحتجاج ليواجه بؤسه اليومي فكيف يواجه آلة قتل متوحّشة ينالك الدّم منها وينالهم الهتاف والتّصفيق…والوعد والوعيد…بجيش سيعود…
يا زهرة المدائن
عندما ينتصب الدّراويش في محرابك، فأوقفي تسبيح جدارنك واهمسي في أذن الأطفال أنّ النّصر صبر ساعة، وأن لا نصر دون مقاومة موحّدة…دون راية موحّدة…دون غاية موحّدة…
إن مرّ بمحرابك مجاهد من حماس فذكّريه بأنّ غزّة جزء وفلسطين كلّ…فلا يعلو الجزء على الكلّ مهما اشتدّ عوده وبأسه…وأنّ لا أنفة في الأخوّة…ولا أنانيّة في الاستقلال..ولا انتصار دون أرض…
إن مرّ بمحرابك مفاوض من فتح فذكّريه بأنّ السّلام ليس استسلام وأنّه جنح للسّلام أكثر من العدوّ.. وأنّ المغتصب أسقط غصن الزّيتون من يد أبي عمّار…فإماّ أن يحمل الزّيتون في الجهتين، وإما أن يحمل السلاح في الجهتين..
يا زهرة المدائن
أخبري الأطفال والصبيان دون أن تلتفتي لكوفيّاتهم أو ضفيراتهم أو ألسنتهم أو أعراقهم أن السّلام أصعب من الحرب، فالحرب تحتاج إلى الرّصاص أمّا السّلام فيحتاج للإرادة، والرّصاص ينتهي بينما الإدارة لا تفنى.
أخبري الأطفال والصّبيان أن لك بابا إلى السّماء وأن ربّ تلك السّماء ليس ماركة مسجّلة لأيّ عرق أو دين أو جنس بل هو ربّ العالمين، وأنّه يكره أن يدمى تقويم صنعه بيديه.
أخبري الأطفال والصّبيان أن ربّ العالمين جعل بين الوعدين إحسانا، وأن الاحسان اختيار بينما الوعد قائم لا محالة.
يا زهرة المدائن
إنّ لنا بيتا هنا وبابا هناك، وأصولا هنا وفروعا هناك، فمن خان الباب خان البيت ومن خان البيت خان الباب، ونحن ندافع على الإثنين دون مركّب نقص أو نفاق.
إنّ الصّحراء وسبتة ومليليّة وثغورا أخرى مثل أي شبر منك محتلّ وأنّ الأحرار يحتفلون بانجلاء الاحتلال أنّى كان.
إن المغاربة كما كانوا دائما يصطفّون معك في اختياراتك دون إملاءات أو وصايات، فاختاري إن شئت سلاما، وإن شئت حربا، وأن شئت اتفاقا، وإن شئت اقلبي الطاولة على العالم أجمع.
يا زهرة المدائن
لك أن تفخري بالمقدسيّين مسلمين ومسيحيّين…
لك أن تفخري بفلسطينيّي 48 مسلمين ومسيحيّين
فالنّصر هذه المرّة هو انتفاضة سلميّة في الدّاخل المحتلّ قلبت الطّاولة على سبعين سنة من الاحتلال ومليارات الدولارات لمحو الذّاكرة.
فطوبى لك بفصول جديدة من المقاومة.