قبل فوات الأوان!
اسمحوا لي أن أتحدث بدون مُقدمات أو مجاملات، وأدخل بالموضوع مباشرة، خلال الشهر الماضي برزت العديد من النجاحات الفردية الشبابية الفلسطينية على كافة الأصعدة الوطنية وفي مختلف بقاع العالم، وطفت على السطح أيضاً ضعف وهشاشة العديد من الشخصيات العامة والمؤسساتية والحزبية من مختلف أطياف النظام السياسي.
من المحزن جداً أن تصل حالتنا بهذا الشكل، ومن المحزن أكثر عدم الجراحة الفورية واستئصال الأمراض والعقم من أجل متابعة طريق التحرير والاستقلال والبناء، سُنة الحياة أن تستلم الأجيال من بعضها البعض، لكن أن نقف أمام أجيال من التقدم من خلال شراء الذمم في مختلف مكونات التطور الطبيعي للحياة، لهي خسارة فادحة على صعيد المستقبل الذي نطمح له.
عندما تكون هناك عقبات أمام المشاركة في العمليات السياسية الرسمية والمؤسسية، يمكن أن يشعر الشباب سريعًا بعدم القدرة على التغيير. يميل الكثيرون إلى الاعتقاد بأن أصواتهم لن تُسمع أو أنهم لن يؤخذوا على محمل الجد حتى لو سمعوا، وخصوصاً على صعيد التطور المهني كلٌ حسب اختصاصه، فالعالم مُتغير ولن يقف حيث يقف مسؤول ما مهما كان تاريخه النضالي، فلا قيمة للتاريخ إن لم يُمأسس للمستقبل.
تصبح المشكلة دائرية حيث قد يفقد السياسيون الذين أكل الدهر عليهم وشرب الاهتمام بالاستجابة لتطلعات الشباب إذا لم يتمكنوا من الفوز بأصواتهم. وهذا بدوره يؤدي إلى استبعاد الشباب بشكل متزايد من المشاركة في صنع القرار، أو في المناقشات حول القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الرئيسية. ما يؤدي الى وقف عجلة التطور ليس من حيث اللغة وإنما أيضاً من حيث الأدوات والمضمون!!
بالنسبة للشعوب التي تواجه الاحتلال في جميع التجارب الدولية التحررية، يعد إشراك الشباب في العمليات السياسية الرسمية أمرًا مهمًا منذ البداية، وهذا ما كانت عليه مسيرتنا النضالية منذ البداية والآن العكس تماماً. فكم كان يبلغ الشهيد القائد ياسر عرفات عندما أطلق الرصاصة الأولى؟ وكم كان يبلغ حكيم ثورتنا جورج حبش عندما كتب كلماته التحررية؟ وكم كان يبلغ شيخ الشهداء أحمد ياسين عندما دخل غياهب السجون؟ وابحثوا كم كان السيد ياسر عبد ربه عندما أبحر في الحياة السياسية؟
من المرجح أن يشع الشباب بإحباط كبير إذا لم يتم إشراكهم في إجراءات صنع القرارات الرسمية بجميع مكونات الحياة العامة. يمكن أن يؤدي ذلك إلى زعزعة استقرار البنية الديمقراطية وتسريع ديناميكيات الصراع. يمكن للمساهمات النشطة للشباب إحياء القيم الديمقراطية، ما يؤدي إلى استنهاضات في ميادين متنوعة لها الآن أهمية، خصوصاً ان علينا مواكبتها بسبب العولمة وما بعدها وما بعد الحداثة في زمن سرعة التواصل من التيك توك والسناب شات والتويتر والفيسبوك.
ينبع الإقصاء المستمر للشباب من مجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك: شبكات الأبوية "البطريركية" كما وصفها المُفكر حليم بركات، والتوظيف، وآليات الترقية القائمة على الأقدمية، ونقص القدرات الفردية، ومحدودية الثقة بالنفس والتحفيز. غالبًا ما تتطلب المشاركة في الأحزاب السياسية التزامات طويلة الأجل، وهو أمر يصعب على الشباب الذين يحاولون الحصول على التعليم وترسيخ أنفسهم في سوق العمل.
بصوت مرتفع أقول لصُناع القرار أن عليهم قبل فوات الأوان ضخ دماء شابة قبل أن ينقلبوا عليكم بسبب ما يشاهدونه من هشاشة وضعف بالأداء المهني، والمُبكي المُدمي لا تستطيعون الحديث عن تضحياتهم!!