فنجان قهوة مع الكرمية..
من الممتع أن تُجالس كاتباً روائياً بعد قراءتك لروايته، خصوصاً إذا كانت الرواية تحمل في أحشائها زمناً متغيراً ومكاناً ثابتاً متمثلاً بفلسطين بشكل عام وبقلبها النابض القدس بشكل خاص، ما جعلني أكتشف عند لقائي مع كاتبة رواية «زاوية الشمس» خفايا الرواية ذاتها، خصوصاً أنها إنتاج مشترك مع الكاتب التونسي د. عز الدين الصغير.
ولأنه اللقاء الأول، قامت بالتعريف عن ذاتها بطريقة سردية ممتعة، انطلقت من طفولتها إلى دراستها في مدرسة العدوية بمدينة طولكرم، إلى الجامعة وزواجها من مناضل كان لا يملك سوى روحه الوطنية وعلمه، وجيوبه فارغة بسبب ملاحقته والتضييق عليه بلقمة عيشه في ذلك الوقت من الأجهزة الأمنية العربية.
حدثتني عن زوجها المرحوم الدكتور وصفي الكفري ابن بلدة «عتيل» شمال مدينة طولكرم، كما لم أسمع أو أقرأ أو أشاهد قصص عاشقين من قبل، تحدثت عنه بطريقة كأنها تستحضره بيننا، واصفةً لي غيرته وحبه لها برفضه نشر بعض الخصوصيات في روايتها الأولى «لست امرأة من ورق»، لكنه عندما شاهد إقبال الحضور للمشاركة بحفل إطلاق الرواية والتفاعل معها أدرك قساوة غيرته وخوفه، فاحتضنها مُباركاً لها وأدركت هي معنى عشق الفلاح الأصيل.
شربنا القهوة على مراحل مختلفة من حيث النكهات، نكهة القراءة وأهميتها في صقل الإنسان وكيف أن الفلسطيني سلاحه الأساسي العلم والثقافة، نكهة أهمية احترام الذات مع المراعاة والتمييز بين الفضاء العام والفضاء الخاص، نكهة الحياة والموت ولماذا وكيف نصبح أعداء لبعضنا البعض على الرغم من أننا جميعاً سنصل إلى المحطة ذاتها؟! نكهة رفيقها بالكتابة د. عزل الدين الذي دعم وساند طريقها فعلى الرغم من البعد الجغرافي ما بين فلسطين وتونس إلّا أن اللغة العربية حولت حروفها إلى درجات جسر متواصل بينهما.
أستطيع القول وبتجرد كامل: إنني وجدت ما قاله جبران خليل جبران: «ليس من يكتب بالحبر كمن يكتب بدم القلب»، ينطبق على المُربية والمعلمة والكاتبة الروائية ميّة شلبي الكفري، وأيضاً بروز هذا التراكم الغزير للإنتاج الأدبي للروائية بفترة قصيرة يبرهن وصولها مقولة إدوارد سعيد: «الإنسان الذي لم يعد له وطن، يتخذ من الكتابة وطناً يقيم فيه»، لهذا نفذت وصية رضوى عاشور عندما قالت: «الكتابة تأتي، تأتي من تلقاء نفسها، فلا يتعيّن عليّ سوى أن أقول مرحباً وأفسح لها المكان»، ففسحت ميّة مكاناً للكتابة بالتوقيت الذي تفيض به الذاكرة الخاصة والعامة.
«زاوية الشمس» و»لست امرأة من ورق» ليستا مجرد نصين أدبيين روائيين يبحث كاتبهما عن جائزة محلية أو دولية، بقدر ما أن تلك النصوص هي انعكاس كامل لشخصية الروائية ميّة شلبي الكفري، التي بدأت تخلق لذاتها عالماً جديداً مستندة على بنك اللغة التي اكتسبتها منذ طفولتها بسبب شغف القراءة، ومن الجينات المكتسبة من العلامة الأديب سعيد الكرمي والشاعر أبو سلمى الكرمي، يقول (ستيفين كينغ) في كتابه (عن الكتابة): «إن لم يكن لديك وقت للقراءة، إذاً لا وقت لديك ولا تملك أدوات للكتابة» وكأنه يقول: إن أداتك في الكتابة هي القراءة.
أنهيت فنجان قهوتي معها سريعاً للأسف، ودعتها قائلاً :بانتظار فنجان قهوتنا القادم، وأنا مُتأكد من أنه سيكون قريباً؛ لأن منبع روايتها بدأ يفيض بالعديد من الذكريات التي ستتم ولادتها من جديد على شكل إنتاجات أدبية.