مصائد الموت.. وعقيدة النقاء الديني..!
في الوقت الذي تتزايد فيه مفاعيل ازدواجية الغاب الغربية على الساحة الدولية تنكشف حقائق عكست حجم التأييد الأعمى والصمت المطبق على حجم الانتهاكات التي تمارس من قبل الاحتلال الاسرائيلي بحق الانسان الفلسطيني الصامد في وجه العواصف وما اكثرها...!
فكانت المرآه التي عكست واقع المجتمع الدولي او ما يطلق عليه حقوقياً بالعالم الحر، بسياساته ومعادلته المتناقضة الذي بدا وكأنه يتحسس من مصطلح الإرهاب ومخاطره، وفي ذات الوقت يتفانى في دعم اسرائيل وحماية احتلالها، فما نشاهده اليوم من غض الطرف إزاء بلطجة اسرائيل لهو اكبر دليل على ان تلك الدول تدّعي عكس ما تفعل، فتنادي بحقوق الانسان جهراً، وفي المقابل تتنكر لكل مبادئها وقيمها بصمتها المطبق إزاء الإعدامات التي يمارسها الاحتلال بحق الفلسطينيين العُزّل، تماماً كالذي يرى و يسمع دون ان يتحمل اية مسؤولية اتجاه مواطنين تم تصنيفهم تحت الاحتلال، فيشاهدها كما لو انه يشاهد حدثاً رياضياً او خبراً من أخبار الطقس..!
فتحت مظلة الدفاع عن النفس وبدعوى الاشتباه، تلجأ اسرائيل وبوتيره شبه يومية، الى سياسة الإعدامات الميدانية والقتل على الحواجز والطرقات، والتي تذكّرنا كل يوم بمدى بشاعة الاحتلال، والمبرر غالباً ما يكون حاضراً يتم سرده وفق روايته، بإدعاءاته المضللة والمفبركة وكيفما يحلو له، والذي بات اليوم عنوان المرحلة الجديدة القائم على اعتبار ان كل ما هو غير يهودي ندّاً للاحتلال وهدفاً له.
نهج تبنته منذ عقود رؤى ومرجعيات دينية حاخامية اعتبره الكثيرون أحد فصول العنصرية الصهيونية، وأحد عناوينها التي تقوم على الاضطهاد والنقاء الديني الذي يقسّم العالم وفق معتقداتهم وأيديولوجياتهم الى يهودي وصهيوني، وما دون ذلك طرفاً آخر، وهذا وحده كان كفيلاً لجعل أي ملامح من ملامح الدولة اليهودية التي كبر حلمها وقامت وتوسعت وما تزال على أنقاض وحق الآخرين مشوهاً لأبعد الحدود.
فليس بعابراً ما يحدث اليوم من قتل بدم بارد في كافة المدن الفلسطينية بلا استثناء بما فيها الداخل المحتل، فالكيان الاسرائيلي كان وما زال يعيش صراعاً وجودياً على كل المستويات أبرزها البقاء على قيد الحياة وسط المناخ الشعبي الرافض تماماً لوجوده، وهو ما وصفه حرفياً بالتهديد الديمغرافي من قبل العرب جعله هو من يقرر الذنب ويحكم بالإعدام الفوري على كل ساكن ومتحرك بمجرد الشك...
فسياسة الاحتلال هذه عكست صورة الفكر والعقيدة الصهيونية بكل تفاصيلها التي هي قي الحقيقه عقيدة وايديولوجيا ورثها ابّاً عن جد، يعاد تدوير زواياها الحادة عبر ممارسات وقمع ما تلبث ان تتنقل من فريق حكومي لآخر، فالأسماء قد تتغير لكنها في السياسات و العنصرية واحدة... تعمل جميعها ضمن مشروع إباده هدفها انهاء الوجود الفلسطيني على الارض الفلسطينية وفق مبدأ "ان العربي الجيد هو العربي الميت"!
فما يجدر الإشاره اليه هو ان المشروع الصهيوني ليس مجرد كياناً استعمارياً يمارس التنكيل بحق السكان الأصليين فحسب، فهذا بحد ذاته خطوه مبدئية ومرحلية، لأن ما تهدف اليه المنظمات الصهيونية وتعتاش عليه يقوم على أساس رفضها للآخر ورفض قبوله وحتى وجوده، وكل هذا يحدث في ظل أزمة شرعية الوجود التي يعيشها، وفي حال اضطر لوجوده معه فالواجب ان يقوم الآخر بخدمته وتلبية رغباته على اعتبار انهم مواطنين من الدرجة الاولى وشعب الله المختار، وما سواهم عبيد وهي ذاتها من صنفت نفسها عالمياً بالدولة الديمقراطية الاولى في البلاد، فشعار السلام والتعايش المشترك الذي تلوح به يميناً ويسار، قد بدا للجميع انه مجرد بوابة عبور لقلوب العرب تمهيداً لموطئ قدم لها في منطقة الشرق الاوسط، لجعل الوضع الجيوسياسي اكثر أمناً لها في ظل تطبيع لم يغير شيئاً من سلوك الصهاينة او حتى في شعارهم "الموت للعرب" فرياحه تهب اساساً لمصلحتها، ومع ذلك وحفظاً للألقاب والمقامات نجد قلة قليلة من دولاً وحكومات عربية تقف لأجله في صف انتظار، غير آبهه لرفض الرافضين، صمّوا آذانهم وفتحوا خزائنهم لها، حتى ظهروا بمظهر الدمى إسترضاءً لإسرائيل، والمفارقه ان هذا الإندماج يتزامن مع استمرار معاناة الشعب الفلسطيني الذي يعيش حياة ملؤها القهر والمعاناة ويحلم بحياة كريمة أقلها الأمن والأمان..
ولعل عودتنا للذاكره عقود الى الوراء لأحداث استعمارية أبى ان يطوِها النسيان، يتبين لنا انه نهج واحد وكتاب واحد ومدرسة واحدة كان قائماً منذ قيام تلك الامبراطوريات على رأسها الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا، باستعبادها للشعوب الفقيرة والصغيرة، إما عبر الاحتلال المباشر لها او عبر أنظمة من صنيعتها، اتبعت خطاها اسرائيل و استمر باستمرار العقلية ذاتها التي بدئتها تلك الدول بنموذجها الاستعماري وفكرها الغربي، سعياً منها لاقتلاعها من جذورها بمحو هويتها وعبر تدمير ثقافتها ولغتها، فكان دليلاً ألحق العار بتاريخها وثقافتها المبني على الاستعباد.. سياسة استلهمتها اسرائيل الابنة الشرعية لهذه الدول ونموذجها الذي طبقته حرفياً باحتلالها لفلسطين بنهبها للارض و بممارستها لثقافة الالغاء وبالتطهير العرقي والعنصرية الممنهجة، فبدا انه نهجٌ حظي بدعم خارجي من قبل امريكا ودول الغرب، وداخلي من قبل الجهات الرسمية الاسرائيلية في الجيش والحكومة والقضاء الذي رسم لها الخطوط العريضة، والذي بدوره حماها من المسائلة القانونية الدولية سنين طوال... ولعل شواهد المذبحة التي ارتكبتها اسرائيل مؤخراً في غزة والتي كانت واضحة في اخراج الشهداء من نساء واطفال من تحت الانقاض تقاطعت مع عشرات السنين من الحروب التي لا تقل وحشية عن تلك التي ارتكبتها اسرائيل منذ اكثر من اثنان وسبعون عاماً والتي اعتبرها بعض الشرفاء حقبة سوداء في تاريخها، اليوم وثقتها بالاغتيالات على الحواجز لشباب وشابات عبر مصائد الموت وكل هذا يحدث في ظل عجز القيادة الفلسطينية بالذات عن اتخاذ اجراءات مناسبة لحماية مواطنيها، حتى باتت الضفه الغربيه والقدس وقطاع غزه ارضاً مستباحه لقطعان المستوطنين، فأصبح الفلسطيني اليوم بحاجة للجواب عن سؤاله الموجع كيف لنا للخروج من هذا الوضع المزري في ظل اصرار القياده الفلسطينية بالتمسك بالتنسيق الامني و بكذبة حل الدولتين ...؟! ومع كل هذا وذاك تظل ازمة اسرائيل في شرعية الوجود الذي تختلط به الدولة الاستيطانية مع الدولة العنصرية اساساً في هذا النشاز.....!