عن العنصرية
كان واحداً من الأخطاء الجسيمة، التي ارتكبتها السلطة أنها وافقت على إلغاء القرار الذي كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتخذته العام 1974، والذي اعتبر الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية. جاء ذلك ضمن المناخات التي سادت في بدايات مرحلة أوسلو، وأرادت السلطة من خلاله إظهار حُسن النية، حيث استجابت لطلب إسرائيل. اليوم، على الرغم من كل ما ترتكبه إسرائيل من جرائم حرب، وعلى الرغم من كل ما تقوم به لتعزيز دولة «الابرتهايد»، إلا ان الفلسطينيين وأنصارهم يحتاجون الى بذل جهد جبار، والمزيد من الوقت، لإعادة إقناع الجمعية العامة لإعادة إقرار ذلك القرار، الذي يعبر عن الواقع، القائم بكل تفاصيله اليومية.
على المستوى الرسمي، يختلف عما يجري في حراكات المجتمعات المدنية بما في ذلك وأساساً في الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية التي تضمن وتدعم وجود وتفوق وحماية مشروعها الاستعماري.
ثمة وعي متنام، يتسع ويتعمق لدى المجتمعات، بشأن حقائق الصراع وبشأن حقيقة دولة إسرائيل، بما انها دولة احتلال عنصري، إجلائي وإحلالي ودولة إرهاب. في زمن سابق، لم يكن كثير من الناس يعرف الاسم فلسطين، وحين يسأل فلسطيني عن جنسيته، يقال له: ماذا؟ هل تعني باكستان، والبعض الآخر، لا يرى سوى إسرائيل على الخارطة.
يستطيع رئيس حكومة العالم، السيد غوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة ان يرفض إدراج إسرائيل ضمن القائمة السوداء أو قائمة العار، فلو انه فعل ذلك لكلفه منصبه وربما حياته، لأن لا دولة في مجلس الأمن حتى من يعتبرون أصدقاء تاريخيين للفلسطينيين مثل روسيا والصين سيوافقون على ذلك.
يعلم غوتيريس انه يخالف الحقيقة، وانه يخالف منصات العدالة الدولية، من منظمة العدل، الى منظمة العفو، إلى الجنائية الدولية، إلى المنظمة العالمية لحقوق الإنسان، و»اليونسكو» ... وأيضاً منظمات مجتمع مدني مهمة وقوية مثل «هيومان رايتس ووتش» الأميركية.
غوتيريس، يعرف أنه يغطي الشمس بغربال، وان الزمن كفيل بأن يعيد إليه بصره وبصيرته، ولكن بعد ان يخلي منصبه، كما يفعل الكثير من المسؤولين بمن في ذلك الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر.
إذا كانت القوانين التي يشرعها الكنيست لتأكيد الطبيعة العنصرية لدولة إسرائيل غير كافية فإن متابعة تفاصيل السلوك الإسرائيلي تؤكد هذه الحقيقة. المشكلة ان الطبقة السياسية في إسرائيل لا تخجل من كونها دولة «ابرتهايد» وهي لا تخشى، أيضاً، أن يؤدي ذلك إلى عزلتها، طالما ان الأميركي هو آمر السجن ولكن إلى حين.
في وقت سابق، خلال العدوان الأخير على القدس والشيخ جراح وغزة قال الكاتب الصحافي الإسرائيلي جدعون ليفي، إن القبة الحديدية لن تحمي إسرائيل، ولن تنفعها الولايات المتحدة.
يدرك ليفي المسار الذي تتجه نحوه دولة إسرائيل والمصير السيئ الذي ينتظرها في وقت ليس بعيداً، طالما أمعنت في سياساتها الاحتلالية وفي تعميق وتوسيع سياساتها القمعية والتمييزية.
يوم الاثنين المنصرم، كان الكنيست على موعد للتصويت على قرار عنصري آخر عنوانه منع لم الشمل، لكن الخلافات بين أطراف حكومة المتناقضات أدت الى تأجيله ريثما يتم الاتفاق على تسوية. اليمين الإسرائيلي في حكومة المتناقضات، لا يمكن ان يسمح بتغيير القانون او تعديله، خصوصاً وأن اليمين الذي يقوده نتنياهو، يقف بالمرصاد لأي محاولة من هذا النوع. المشكلة أن «القائمة الموحدة»، تصر على عدم التصويت لصالح تمديد القانون لسنة أخرى بعد ان جرى تمديده لثمانية عشر عاماً. وليد طه عضو الكنيست عن «القائمة الموحدة»، أعلن أن قائمته لن تصوت لصالح تمرير القانون باعتباره عنصريا، حتى لو أدى ذلك إلى إسقاط الحكومة.
عن القانون، يقول الكاتب جدعون ليفي، إنه احد اقبح القوانين التي تلطخ دولة إسرائيل، وان هذا القانون يحكي كل الرواية، عن ماهية الصهيونية، وجوهر مفهوم دولة يهودية.
في محاولة لإيجاد تسوية، يسعى بينيت لخداع «القائمة الموحدة»، ومن يصوت معها من «ميرتس»، بحيث يقر القانون، ويعطي لوزيرة الداخلية اييليت شاكيد حق اتخاذ بعض الاستثناءات ذات الطبيعة الإنسانية.
«القائمة العربية»، و»ميرتس» و»حزب العمل»، على المحك، فإذا وافقت «القائمة العربية» على تمريره بأي ذرائع فإنها ستسقط في قاع بئر الخيانة، وأما من يصوت من «ميرتس» أو «العمل»، فإنه سيقع في أحضان اليمين المتطرف. ليس هذا فقط بل ان من يفحص حصة الجيش وأجهزة الأمن من الميزانية العامة للدولة، سيخرج باستنتاج سريع ومباشر، ان هذه الدولة دولة إرهاب، وعدوان، ومكرسة لقمع الأغيار، وهم في هذه الحالة العرب، دولاً وشعوباً.
الميزانية العامة للدولة، تبلغ أربعمائة وعشرين مليار شيكل يخصص منها للجيش والأجهزة الأمنية من 30 إلى 33%، بما يشمل، أيضاً، الاستيطان. في الآونة الأخيرة، طالب الجيش الذي تبلغ موازنته 75 مليار شيكل (23 مليار دولار) بزيادة فورية خلال هذا العام بقيمة 2.5 مليار شيكل (767 مليون دولار) لتمويل عدوانه الأخير على قطاع غزة، وبعض مصادر الجيش قال، ان هذا المبلغ ليس نهائياً بل هو تقدير أولي. إذا كان هذا هو حجم الخسائر التي تكبدها الجيش خلال العدوان الأخير، فإن الحسابات الإجمالية للخسائر قد تضاعف هذا المبلغ، ما يرهق الميزانية، خصوصاً بعد الآثار التي ترتبت على مرحلة مواجهة أزمة «كورونا».
في الأخير، عقدت عضو الكنيست عن «المشتركة» عايدة توما سعيد، وعضو الكنيست عن «ميرتس»، موسي راز، مؤتمراً تحت عنوان «أربعة وخمسون عاماً، بين الاحتلال و(الابرتهايد)»، ما يشير إلى واقع دولة إسرائيل، ويشكل خطوة جريئة، ستحاول المعارضة إفشاله أو التشويش عليه. هل يكفي هذا أم ثمة المزيد من الوقائع التي تؤكد أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية؟