رؤوس جريمة وعملاء "شاباك"
مقالات

رؤوس جريمة وعملاء "شاباك"

يذكرنا تصريح أحد قادة الشرطة الإسرائيلية الذي يحاكي دخول عومر بار-ليف من حزب العمل لوزارة الأمن الداخلي ويفيد بأن غالبية قادة عصابات الإجرام العاملة في المجتمع العربي مرتبطين بـ "الشاباك"، باعتراف وزيرة المعارف السابقة، في حينه، شولميت ألوني، المتعلق بارتباط جهاز المعارف العربية بـ "الشاباك" واعترافها بعجزها عن فك هذا الارتباط، وهو أمر ليس أنه يؤكد عمق ضلوع جهاز المخابرات العامة الإسرائيلي بكل ما يتعلق بحياة العرب الفلسطينيين في الدولة، بل اليد الطولى التي يتمتع فيها "الشاباك" في القضايا المتعلقة بالعرب من التعليم إلى الجريمة المنظمة.

وإذا كان المسؤول الكبير في الشرطة قد كشف عن سر مفضوح، يراه ويلمسه مجتمعنا في مدى ما يتمتع به رؤساء هذه العصابات والعاملين فيها من رعاية واحتضان من قبل "الشاباك" والشرطة المتناسقة والمتواطئة معه، فإن تصريحه جاء تعبيرا عن "ضائقة" الشرطة وضيق ذرعها بتحكم "الشاباك" وسيطرته على مجال عملها في المجتمع العربي وتحويلها إلى مجرد خادم أمين لتوجيهاته وتوجهاته، حتى لو بدا أن الأمور تسير بتوافق وتجانس وتوزيع أدوار بين الجسمين الضالعين في ضبط الأمن العام.

وقد رأينا في الأحداث الأخيرة اليد الضاربة للشرطة و"الشاباك" وكذلك تجند النيابة والمحاكم التي غصت قاعاتها بالآلاف من المتظاهرين، وكيف كان التجهم يعتري وجوه القضاة ويترجم بأوامر تمديد الاعتقال بمجرد تمرير "مواد سرية أمامهم" من قبل محققي الشرطة والشاباك، وكيف كانت تنفرج أساريرهم ويتمازحون مع المحامين والمتهمين عندما تمر قضية جنائية، كحيازة سلاح أو إطلاق نار في الهواء، قبل أن يعودوا إلى تجهمهم عندما تمرر أمامهم مرة أخرى "المواد السرية"، التي تنذر بـ"خطورة" القضية و"أمنيتها" حتى لو كانت لا تتعدى كتابة منشور على الفيسبوك.

كما شاهدنا أيضا كيف يتم التعامل مع ظاهرة السلاح عندما يجري استعماله في هذا السياق، وكيف تبدي شرطة إسرائيل "العاجزة" عن التعامل مع قضايا القتل والجريمة، قدرة غير معهودة على تفكيك القضية وضبط السلاح وإلقاء القبض على الفاعلين بسرعة قياسية، حتى تخال أن سلاح "الجريمة" ليس سلاحا ومن يقتلون برصاصه ليسوا بشرا وأرواحا بريئة أزهقت دون وجه حق. هي ليست ازدواجية في المعايير فقط، بل تتعدى ذلك إلى توفير الغطاء للمجرمين في كثير من الأحيان ومساعدتهم على الإفلات من القانون.

إنها حالة بنيوية مرتبطة بطبيعة الدولة وموقع العرب الفلسطينيين فيها، تظهر تجلياتها في جميع مناحي الحياة من سكن وتعليم وصحة، وتبدو أشد وضوحا في تعامل الشرطة وأجهزة الأمن الأخرى معهم في القضايا "الأمنية"، وحتى المدنية مثل العنف والجريمة وهدم البيوت وغيرها، التي تمر جميعها من بوابة "الأمن الإسرائيلي" وتخضع لوكالة "الشاباك" وريث الحاكم العسكري التقليدي، الذي كانت تمر قضايا العرب الفلسطينيين في السابق عن طريقه، وله القرار الأخير في حال تناقض عمل الوزارة المعنية المهني مثل التعليم أو الأمن الداخلي مع توجهاته.

هذا ما كان وما زال يحدث في التعليم عندما كانت تتناقض المعايير المهنية مع المعايير المخابراتية، حيث كان يعود القرار إلى رجل المخابرات المعين من قبل "الشاباك" في الوزارة ويقبض راتبه من "الشاباك"، وهي الوظيفة التي جرى إلغاؤها بعد التماس "عدالة" في أواخر التسعينيات، واستبدالها على ما يبدو بآلية أخرى مناسبة أكثر لروح العصر.

وهذا ما هو حاصل في ميدان الجريمة المنظمة عندما تتناقض وإن بدرجة أقل توجهات الشرطة مع توجهات "الشاباك"، الذي يخدم وكلاء الجريمة المنظمة توجهاته بل هو يستغلها لتجنيد العملاء، عبر عملية مقايضة يخسر المجتمع الفلسطيني في شقي معادلتها، إطلاق يد الجريمة والمجرمين ومنحهم الحصانة مقابل تحولهم إلى عملاء ومتعاونين لدى "الشاباك" في القضايا الوطنية، أي أنهم يتحولون من مخالفي قانون مطاردين من الأذرع المسؤولة عن تطبيقه إلى عيون وآذان لأجهزة المخابرات وذراع ضاربة في خدمته.

وقد جاء تصريح المسؤول الشرطوي المذكور اختبارا لنوايا وزير الشرطة الجديد الذي ينتمي لحزب العمل، ومثلما نجحت شولميت ألوني في حينه، من لجم "الشاباك" في وزارة المعارف، بإمكان عومير بار-ليف - إذا أراد - لجم "الشاباك"، بعض الشيء، في هذا الميدان، إذا توفرت لديه النوايا، وإعطاء حيز من العمل للشرطة وتبييض وجهها بعض الشيء في مجال مكافحة الجريمة في المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.