ماذا نتوقع من إدارة الرئيس بايدن؟
تنفس الفلسطينيون الصعداء بهزيمة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي اندحر ومعه ما يسمى بـ«صفقة القرن» أو مشروع ترامب لتسوية الصراع في منطقتنا. وبرغم أن ذيول السياسة التي اعتمدها ترامب وآثارها لا تزال باقية وقائمة بقوة في المشهد السياسي في المنطقة، خاصة موضوع الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، والاعتراف بضم إسرائيل للجولان السوري المحتل، إلا أن فصلاً جديداً في السياسة الأميركية قد بدأ، وقد لا يكون جديداً تماماً حتى لو كان على خلاف مع السياسة التي اعتمدها ترامب، فهو يشبه إلى حد بعيد سياسات أميركية سابقة شهدناها في عهد الرئيسين الديمقراطيين بيل كلينتون وباراك أوباما مع الفارق بينهما بالتأكيد.
البعض يصف سياسة الرئيس جو بايدن بأنها عودة إلى ما انتهجه الرئيس أوباما بالتأكيد على حل الدولتين ومحاولة جسر الهوة بين الموقفين الفلسطيني والإسرائيلي حتى لو لم تفض هذه السياسة الى تغيير جدي يذكر في الواقع على الأرض. والمتفائلون وصفوا بايدن بأنه شبيه أكثر لكلينتون، ووجه الشبه بينهما هو التدخل المباشر في تفاصيل ما يحدث لدينا وليس الاعتماد على وزير الخارجية كما فعل أوباما. وربما كان التدخل الشخصي المثابر والمتكرر والحازم لإنهاء جولة الحرب الأخيرة بين غزة وإسرائيل والذي تضمن ست مكالمات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو دليل على وجهة النظر التي تربط بين بايدن وكلينتون.
وبغض النظر عن وجه الشبه بين بايدن وكل من كلينتون وأوباما تبقى العبرة في السياسة العملية للإدارة الأميركية تجاه السياسة الإسرائيلية التي تسعى جاهدة وفي سباق مع الزمن للقضاء على حل الدولتين أو بالأحرى القضاء على فكرة قيام دولة فلسطينية متواصلة إقليمياً وقابلة للحياة على الأراضي المحتلة منذ عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وهل تستطيع أو معنية فعلاً في جلب طرفي الصراع إلى مائدة المفاوضات على أساس المرجعيات الدولية للعملية السياسية وخاصة قرارات مجلس الأمن ومن ضمنها المبادرة العربية للسلام. وهل يمكن لإدارة بادين أن تفعل شيئاً جدياً وملموساً يخلق الأرضية المناسبة لنجاح المفاوضات المستقبلية.
في الواقع، هناك حوار يجري بين الإدارة الأميركية وبين القيادة الفلسطينية، ويبدو أن الرسائل التي تصل من واشنطن غير مشجعة ولا تحمل في طياتها ما يشير إلى تغير ملموس في المدى القريب في السياسة الأميركية تجاه ملف الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. حتى لو كانت تعارض سياسة ترامب التي أحدثت خراباً عميقاً في فرص التوصل إلى تسوية سياسية أو اختراق حقيقي حتى لو كان جزئياً أو محدوداً في العلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. والسبب على ما يبدو هو طبيعة الحكومة القائمة حالياً في إسرائيل. فإدارة بايدن تمنت ذهاب نتنياهو إلى غير رجعة، ليس فقط لأنها تختلف معه سياسياً، بل لأنه كذلك كان يتدخل في السياسة الأميركية الداخلية لصالح ترامب والجمهوريين ضد بايدن والديمقراطيين، وأنه في عجرفته وصلافته تجاوز كل الخطوط الحمراء في علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة، ما أحدث ضرراً عميقاً في العلاقة بين الحليفتين.
بايدن لا يريد سقوط الحكومة الهشة في إسرائيل وبالتالي السماح بعودة نتنياهو إلى الحكم مجدداً بعد الانتخابات القادمة. ولهذا السبب ستكون الإدارة الأميركية أكثر تسامحاً مع حكومة بينيت- لابيد، مع وجود خلافات بينهما حول العديد من القضايا. ولهذا لن تضغط على الحكومة الإسرائيلية للكف عن بعض السياسات المدمرة وخاصة في مجال الاستيطان وتهويد القدس ومناطق واسعة من الضفة الغربية. ويبدو أنها أبلغت القيادة الفلسطينية بألا تتوقع الكثير من الحكومة الإسرائيلية، وبالتالي من الإدارة الأميركية. وسيتم التركيز خلال المرحلة القادمة على تحسين شروط الحياة لدى الفلسطينيين في مناطق السلطة الفلسطينية.
بطبيعة الحال، المطالب الفلسطينية حتى في الوضع الانتقالي الذي نعيشه مع تغير الحكومة في إسرائيل وتغير الإدارة في الولايات المتحدة تشمل وقف الاستيطان والإجراءات الإسرائيلية في القدس الشرقية بما فيها تهجير عائلات فلسطينية في بعض الأحياء بالمدينة المقدسة، وتوسيع مناطق سيطرة السلطة الفلسطينية (أ) و(ب)، والسماح بإقامة مشاريع اقتصادية كبيرة في مناطق (ج) والتواجد مجدداً على المعابر والحدود كما كان الوضع قبل الانتفاضة الثانية في عام 2000، وربط غزة بالضفة الغربية، وإطلاق سراح الأسرى وموضوعات لم الشمل وحركة المواطنين، ورفع الحصار عن غزة وإجراء تعديلات على اتفاقية «باريس» الاقتصادية وغيرها الكثير من المطالب المعروفة والمتكررة. وإذا تحقق جزء من المطالب الفلسطينية الأساسية سيكون هناك تقدم يسمح بخلق أجواء الثقة بين أطراف الصراع ويعيد دور الولايات المتحدة إلى الواجهة لوسيط يتمتع بشيء من النزاهة والموضوعية، وهذا كله مشروط بمستوى تطور العلاقة بين الحكومة الإسرائيلية التي يقودها نفتالي بينيت القادم من قلب المشروع الاستيطاني، والذي لا يزال يدفع بقوة البناء الاستيطاني والسيطرة على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس، وبين الإدارة الأميركية، وقدرة الأخيرة على التأثير، خصوصاً في الجهات الأكثر يمينية في الحكومة، بما في ذلك ممارسة الضغط على هذه الحكومة إلى المستوى الذي يغير سياستها دون تحطيمها. وفي الواقع هناك شكوك جدية في قدرة إدارة بايدن على المناورة في ظل هذه الظروف المعقدة في إسرائيل التي هي غير جاهزة للمضي في طريق السلام القائم على العدل.