قانون المواطنة: وجه إسرائيل عنصري
مقالات

قانون المواطنة: وجه إسرائيل عنصري

رغم أن التمديد لمشروع قانون المواطنة الذي يمنع لم شمل العائلات الفلسطينية على جانبَي الخط الأخضر لم ينجح، إلا أن التصويت عليه، ذكّر المراقبين مجدداً بما تقوم به إسرائيل منذ سنوات طويلة، من فعل مناهض تماماً لحقوق الإنسان التي يقرها المجتمع الدولي وتعمل بها دول العالم الحر، الذي تدعي إسرائيل زوراً وبهتاناً بانتمائها له، كذلك ما سبق التصويت وما جرى خلال التصويت يكشف جانباً من الواقع السياسي الداخلي لإسرائيل، الذي يؤكد دون ريب، ما تنطوي عليه مواقف الأحزاب التي تشكل الائتلاف الحكومي الحالي، التي لا تقل يمينية ونزوعاً عنصريا عن سابقتها، والنتيجة عملياً لم تبرئ النخبة السياسية الحاكمة، بقدر ما أدانتها بمعظمها، ذلك أنه لولا وجود المناكفة السياسية بين الائتلاف الحاكم والمعارضة، لكن هناك إجماعاً على مشروع قرار تمديد العمل بالقانون العنصري المذكور.
باختصار مشروع القانون يمنع ما تنص عليه القوانين الإنسانية من حقوق البشر في لم شمل العائلات، حين يتعلق الأمر بكون أطراف العائلات فلسطينيين، يكون أحد طرفيها مقيماً أو مواطناً إسرائيلياً، في حين يكون الطرف الآخر مواطناً مقيماً في دولة فلسطين المحتلة، أو حتى من فلسطينيي الشتات، أي أن تعليق العمل بالحق الإنساني يعود لاعتبار عنصري تماماً، لا ينفع معه الادعاء الإسرائيلي، بأن الدافع أمني.
في كل دول العالم الحر، يحق لأي إنسان أن يحصل على حق الإقامة، ومن ثم على حق جنسية الدولة التي يتمتع بها أحد أعضاء الأسرة الواحدة، أو ما يطلق عليه عادة الأقارب من الدرجة الأولى، لكن إسرائيل تميز بين مواطنيها وفق أصولهم العرقية، فإن كان مواطن الدولة عربيا/فلسطينيا، فهو لا يتمتع بالحق الإنساني الذي يتمتع به مثيله اليهودي، وهذا فعل عنصري تماماً، وإذا كانت إسرائيل تدعي بأن السبب يعود في ذلك للدافع الأمني، فإن ذلك يثير السؤال حول ماهية الدولة التي تتعرض للخطر في حال اتبعت المسار الإنساني، فذلك يعني ببساطة بأنها دولة تعارض الجوهر الإنساني، فهي الخطر على الإنسانية، وليس العكس.
ما يزيد الطين بلة، أن تمديد العمل بمنع لم شمل العائلات الفلسطينية على جانبي الخط الأخضر، هو أن التمديد عبارة عن سياسة معمول بها منذ عام 2003، أي منذ ثمانية عشر عاماً، وأن هناك نحو 45 ألف طلب لم شمل، لم يوافق منها سوى على 1600 طلب فقط، أي ما نسبته أقل من 4%، وفي حقيقة الأمر فإن الحكومة تقدمت بمشروع قرار العمل بمنع لم الشمل لمدة ستة أشهر أخرى، بناء على صفقة اتفق عليها بين وزيرة الداخلية ايليت شاكيد وزعيم العربية الموحدة منصور عباس، فيما اعتبر كل من رئيس الحكومة والمعارضة التصويت تصويتاً على الثقة بالحكومة، فكان التعادل بالتصويت بـ 59 مقابل 59، مانعاً لتمديد ما يسمى بقانون المواطنة، وفي نفس الوقت لم يصل لدرجة إسقاط الحكومة، التي تحتاج المعارضة إلى أغلبية 61 لإسقاطها.
في التفاصيل انقسم نواب العربية الموحدة المشاركة في الائتلاف الحكومي، حيث صوت إلى جانب صفقة شاكيد_منصور نائبان، في حين صوت ضد مشروع القرار نائبان، وهذا يعني إما أن العربية الموحدة، قامت بإعداد حسبة ذكية، تمنع تمرير القانون، دون أن تتسبب في إسقاط الحكومة، أو أنها تظهر في أول امتحان لها كقائمة غير موحدة، وأن منصور لا يسيطر عليها تماماً.
المشكلة أن رئيس الحكومة نفتالي بينيت، ما زال يصر على تمرير القانون، دون أن يتعظ من نتيجة التصويت، ومما يعنيه إقرار الكنيست لمثل هذا القانون، فبدل الإلقاء به بعيداً عن البرلمان، يصر رئيس الحكومة اليميني، على أن يبقى أحد وجوه إسرائيل القبيحة، في الواجهة.
بهذه المناسبة، يمكننا القول، بأن النظام السياسي الإسرائيلي، إن كان على صعيد النصوص، أو على صعيد الممارسة، مليئاً بما هو عنصري ومجحف بالحقوق الإنسانية للعرب الفلسطينيين، سواء كانوا مواطنين في دولة إسرائيل، أو مواطنين يعيشون على أرض دولة فلسطين المحتلة من قبل إسرائيل، ولا يتمتعون بما تنص عليه مواثيق جنيف، التي تحمي حياة وأرض وأملاك الشعوب المحتلة، إبان الاحتلال العسكري.
لذا فهناك ملف مهم للغاية، على القيادة الفلسطينية، أن تقوم بجمع مواده، ومن ثم فتحه في كل المحافل الدولية، إلى أن يضطر المجتمع الدولي لأن يضع حداً لعنصرية الدولة الإسرائيلية، المتمثلة بالعديد من الممارسات بحق المواطنين العرب_الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر، ذلك أن خطر وجود دولة عنصرية في القرن الحادي والعشرين، لا يقتصر فقط على الشعب الفلسطيني، فحالياً يمتد الخطر العنصري لدولة إسرائيل إلى العديد من الدول والشعوب والأفراد في الشرق الأوسط، ولسنا هنا بصدد سرد الوقائع التي تؤيد هذا، وكلما تجاهل المجتمع الدولي هذا الخطر، فإنه سيمتد إلى ما هو أبعد بكثير، بما يهدد الأمن والسلم الدوليين.
وبمقدور المجتمع الدولي أن يفعل ذلك، وهو اليوم أكثر تمدناً ووعياً مما كان قبل عقود مضت، حين وضع حداً لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، رغم أن ذلك قد تم في ظل الحرب الباردة، وكان ذلك النظام محسوباً على الغرب الرأسمالي، كذلك فإن شعوب العالم تظهر تباعاً وبشكل متزايد تذمرها، وضيق ذرعها من السلوك الإسرائيلي العنيف، بل من الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق المدنيين حين تشن عليهم الحروب، كما حدث قبل نحو شهرين من اليوم، حين مارست بكل صفاقة التمييز العنصري من خلال قمع المسلمين بمنعهم من أداء شعائرهم الدينية في المسجد الأقصى، ثم حين شنت حرباً مجرمة ضد قطاع غزة.
وما على «حكومات العالم» المقررة إلا أن تصغي لصوت شعوبها الذي بدأ يتصاعد خاصة في المدن الأميركية والبريطانية التي طالما اعتبرت من أكثر الدول تأييداً لإسرائيل، فلا بد إذاً من إعداد ملف خاص بالممارسات العنصرية المناهضة لحقوق الإنسان الفلسطيني التي تمارسها إسرائيل، وتقديمه للأمم المتحدة والمحافل الدولية ذات الاختصاص، فإسرائيل تزاوج ما بين الاحتلال والعنصرية، وحين تهزم في واحدة من الخاصيتين ستهزم في الأخرى لا محالة.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.