الغضنفر يستحضر باجس
يُحتجز مئات الأسرى الفلسطينيين في «الاعتقال الإداري» دون توجيه تهم إليهم أو حتى إبلاغهم بالتهمة التي يُعتقد أنهم ارتكبوها. وهم محرومون من مجموعة كاملة من الحقوق الأساسية مثل الزيارات العائلية إلى الإجراءات القانونية الواجبة. بالنسبة لهؤلاء الأسرى فإن الإضراب عن الطعام هو الطريقة الوحيدة عمليا للرد.
لطالما استخدم الأسرى الفلسطينيون الإضراب عن الطعام كشكل من أشكال الاحتجاج ردا على انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي لحقوقهم. أول استخدام للإضراب عن الطعام من قبل الأسرى الفلسطينيين منذ العام 1968. ومنذ ذلك الحين، كان هناك أكثر من 26 إضرابا جماعيا عن الطعام بمطالب تتراوح بين إنهاء الحبس الانفرادي والاحتجاز الإداري إلى تحسين ظروف السجن والسماح بالزيارات العائلية.
أستطيع القول وبعد الاستماع لعدد من التجارب التي خاضت الإضرابات، وما قرأته من التجارب الدولية الشهيرة لمثل هذه الإضرابات على سبيل المثال في إيرلندا والهند وإيران، إن نجاحه يعتمد على ثلاثة عوامل: اهتمام وسائل الإعلام ودعم الجمهور والأهم تصميم المضرب.
صديقي الأسير المحرر نعيم أبو الكعك قال لي يوم الإفراج عنه، «بالنسبة لأي شخص ينخرط في إضراب عن الطعام هناك خطر حقيقي للغاية في أن يكون عملهم الاحتجاجي الأخير». صحة الإنسان تتدهور بسرعة دون طعام بعد أسبوعين، يبدأ الجسم في إذابة الأنسجة للبقاء على قيد الحياة، بينما بعد شهرين، هناك خطر الموت من ضعف القلب.
الغضنفر أبو عطوان ينتصر بعد 65 يوماً من الإضراب عن الطعام، الغضنفر هو من سلالة مُناضلة وطنية تسري في دمائهم جينات الشهيد باجس أبو عطوان، الغضنفر بزئير أمعائه أعاد إحياء ذاكرة 52 عملية نفذها باجس ضد جيش الاحتلال هو ومجموعته المكونة من علي ابو مليحة، وخليل عبد الله مصطفى العواودة، ويوسف اسماعيل مصطفى العواودة وابراهيم سالم ويوسف حماد عمرو وعلي ربعي.
أجمل الكلمات في وصف الغضنفر ما كتبه المُناضل عيسى قراقع «الاسير الغضنفر هو الاقرب، الآن، الى القدس، الى سلوان والعيسوية والشيخ جراح، يمارس الارباك الليلي بالجوع والارادة في قرية بيتا فوق جبل صبيح شامخا كالمئذنة، الجسد هو جبل المقاومة، الجسد الاعزل يتحدى الاستيطان والهدم والتشريد والتهويد ويضيء الدنيا من زنزانته المظلمة».
في العام 1974 الذي استشهد فيه باجس، تولى الشاعر والكاتب معين بسيسو كتابة روايته وأصدر: «باجس أبو عطوان.. مات البطل عاش البطل».
في نهاية الحكاية، يصل الكاتب معين بسيسو الى كمال الصورة وسطوة الاسطورة؛ حيث يختم القصة بحلم ورؤية شعبية تبين الى اي حد حكاية هذه الاسطورة مترسخة ومتجذرة في حياة الشعب الفلسطيني فيقول... «في تلك الليلة التي دفن فيها باجس ابو عطوان رأى الفلاحون في دورا، رؤى عجيبة.. رأوا طيورا في حجم الصخور .. تحمل في مناقيرها عناقيد العنب، وتلقي بها فوق سقوف بيوتهم.. أما والدة باجس ابو عطوان فلقد رأت نحلة في حجم طائر الشنار يحط فوق تراب القبر .. ثم يطير.
فلاح عجوز .. حينما سمع الرؤيا .. تطلع الى السماء وتمتم:
هذا دم باجس ابو عطوان، تحول الى قرص عسل..
مات البطل..
عاش البطل..