ليست فلسطين التي حلمنا بها ولا فلسطين التي وعدنا بها
أثناء نشأتي في فلسطين، تعلمت أن حرية التعبير هي واحدة من أكثر الحقوق قداسة التي يمكن أن يتمتع بها الإنسان وأنها الأساس الذي يقوم عليه أي نظام ديمقراطي. وهذا ما يعززه القانون الأساسي الفلسطيني وميثاق الأمم المتحدة، الذي يربط حرية الرأي والتعبير بأهداف المنظمة الأممية، مما يشير إلى عالمية وضرورة هذه الحرية خاصة في القرن الحادي والعشرين.
إن ما شهدناه في فلسطين مؤخرًا من حرية الرأي والتعبير مقلق ويجب رفضه على كل المستويات. علاوة على ذلك، فإن اللجوء إلى معالجة الأخطاء من خلال السلطة التنفيذية في كل ما يتعلق بالرأي العام هو معضلة في حد ذاته. في عام 2018، حلت السلطة التنفيذية المجلس التشريعي الفلسطيني ولم يمارس الفلسطينيون منذ 15 عامًا حقهم في التصويت لاختيار ممثليهم السياسيين. ما حدث في فلسطين شاذ ومخالف للقانون الأساسي الفلسطيني والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وجميع المواثيق.
تشمل حرية الرأي العناصر الأساسية لحرية التعبير وحرية اعتناق ونقل ونشر الآراء دون تدخل من أي شخص. وتتمثل في حرية الكلام بالوسائل الصوتية والمرئية والمكتوبة والمطبوعة. كما تنص المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948: “لكل فرد الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون تدخل ، والبحث عن المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها بأي وسيلة وبغض النظر عن الحدود”. بالإضافة إلى ذلك، تنص المادة 19 من القانون الأساسي الفلسطيني على ما يلي: “لا يجوز المساس بحرية الرأي. لكل شخص الحق في إبداء رأيه وتعميمه شفهياً أو خطياً أو بأي شكل من أشكال التعبير أو الفن، مع مراعاة أحكام القانون”.
بعد صعود أصوات فلسطين الحرة من غزة والشيخ جراح وبيتا وسلوان وداخل أراضي 1948، من المؤسف جدًا أنه على المستوى السياسي والوطني، بينما بدأت المنظمات الحقوقية الدولية مؤخرًا بالتركيز حول انتهاكات إسرائيل ونظام الفصل العنصري ضد الشعب الفلسطيني، يتحول الانتباه الآن إلى انتهاكات حقوق الإنسان في فلسطين من قبل الفلسطينيين أنفسهم. وهذا يعيق الزخم الذي حققه الفلسطينيون في فضح انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي ضد شعبنا. بينما يطالب الفلسطينيون بالعدالة في المحكمة الجنائية الدولية، يتجه الاهتمام للأسف نحو التحقيق في قضايا التعذيب وسوء المعاملة في الداخل.
بعد وفاة الناقد/الناشط نزار بنات في ظروف غامضة وبدء التحقيق من قبل أجهزة الأمن التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية، ظهرت هناك أدلة على إصابة بنات بـ 10 كسور في ضلوعه، وبأن رئتيه امتلأتا بسائل دموي، وأن الغاز المنبعث من القنابل اليدوية خنقه حتى الموت.
على الفور، شكل رئيس وزراء السلطة الفلسطينية لجنة خاصة للتحقيق في مقتل بنات في 24 حزيران. عملت اللجنة لمدة ثلاثة أيام في الخليل، ثم أعدت تقريرها بعد دراسة القضية والشهادات لتسليمها إلى الرئيس عن طريق رئيس الوزراء. وأوصت اللجنة في 29 حزيران بإحالة تقريرها ومرفقاته إلى الجهات القضائية لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة وفق القانون الفلسطيني. بعد سماع بيان رئيس اللجنة الخاصة وزير العدل الفلسطيني، تبقى أسئلة مهمة بلا إجابة:
-ما هي توصيات اللجنة للجهات القضائية؟
-ما هي الخيارات والأحكام حسب القانون الفلسطيني؟
-ما هي المدة التي أوصت بها لجنة التحقيق للجهات القضائية لإصدار حكم نهائي وفق القانون الفلسطيني؟
إذا اتفقنا على أن للمواطنين حقا طبيعيا في الشفافية الكاملة من حكوماتهم، ألا يتوجب على رئيس الوزراء مشاركة نتائج التحقيق والتوصيات التي خرجت بها هذه اللجنة؟
منذ وقوع الجريمة، امتلأت شوارع فلسطين بالمحتجين المطالبين بالعدالة والمساءلة. مئات الفلسطينيين يتظاهرون في وسط رام الله ضد السلطة الفلسطينية، ضد الفساد، ضد التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي، واغتيال أحد منتقديها نزار بنات. في الاحتجاجات الأخيرة، استهدفت قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية المتظاهرين وعاملتهم بوحشية، وخاصة النساء، وسرقت كاميراتهم وهواتفهم واستمرت في مضايقتهم عبر الإنترنت. لم يُسمح للصحفيين بأداء وظائفهم، ونفذت العديد من الاعتقالات السياسية التي طالت شخصيات وازنة. وكان صوت الشارع واضح: يطالبون بالتغيير على مستوى رئيس السلطة الفلسطينية والحكومة.
الاعتقال السياسي هو الشكل الأكثر شيوعًا للانتهاكات ومن غير الممكن التسامح مع الافتقار إلى المساءلة داخل الأجهزة الأمنية. سياسة التوقيف والاحتجاز للتحقيق تقلب موازين الحرية وتكسب شهرة وسمعة لمن يحلم بها.
مطلوب الآن اتخاذ إجراءات جادة لحماية الحقوق؛ احترام حقوق كل فرد من هذا الشعب الصامد. منع تكرار هذه المشاهد وإعادة توجيه البوصلة التي انحرفت عن مسارها الوطني، والعمل على تحقيق الوحدة الوطنية لإنهاء الاحتلال.
ما نشهده اليوم ليس فلسطين التي حلمنا بها ولا فلسطين التي وعدنا بها عند قيام السلطة الوطنية الفلسطينية. يستحق الشعب الفلسطيني حماية حقوقه الإنسانية، وقبل كل شيء يستحق الحرية.