وثيقة السلطة مدخل جيد للمعركة على الرأي العام
مقالات

وثيقة السلطة مدخل جيد للمعركة على الرأي العام

الأولويات التي تشتغل عليها الولايات المتحدة خلال مرحلة الرئيس الديمقراطي جو بايدن هي ذات طبيعة استراتيجية عاجلة، إلا أنها لا تخفي استعجال الإدارة، بتمهيد الطريق أمام إمكانية فتح المسار السياسي، على جبهة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. في هذا السياق تبدي الإدارة الأميركية اهتماماً بمتابعة تفاصيل الأحداث، والتعليق عليها، حتى وان كان التعليق نظرياً إلا انه ينطوي على رغبة واضحة لكبح جماح الأحداث حتى لا تنحدر نحو انفجار الصراع في الضفة والقدس أو مع قطاع غزة. وفي الوقت ذاته، وعلى الرغم من تواصل الانتقادات الأميركية لما دأبت إسرائيل على تنفيذه من سياسات استيطانية، او هدم لمنازل الفلسطينيين أو تعطيل لعملية إعادة إعمار غزة، إلا ان هذه الانتقادات لم تتعد التصريحات الإعلامية حيث إنها ترغب في إعطاء فرصة أطول لحكومة الرأسين الهشّة.

السلطة الفلسطينية أعدت وثيقة تشمل أربعة عشر مطلباً فلسطينياً تنوي إرسالها للولايات المتحدة كشرط مسبق للعودة الى طاولة المفاوضات. كل المطالب التي تضمنتها الوثيقة، تتصل بقضايا وملفات تضمنتها اتفاقية أوسلو، وتجاوزت عليها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وفقط المطالبة بتعديل اتفاقية باريس الاقتصادية هي التي تشكل تعديلا على ما تضمنته اتفاقيات أوسلو.

المطالب الفلسطينية في حقيقة الأمر، تصنف على أنها استحقاقات، وليست شروطاً، إذ ان جميع هذه المطالب تتفق مع القانون الدولي، ومع نصوص أوسلو، وتلقى أيضاً موافقة من قبل المجتمع الدولي بما في ذلك السياسة الأميركية. أما الشروط السياسية فهي تنطوي على شروط أخرى من مستوى موافقة إسرائيل من حيث المبدأ على مرجعية المفاوضات، وهي قرارات الشرعية الدولية، والقبول بأن يكون منطلق المفاوضات لتحقيق السلام، هو رؤية الدولتين وحق تقرير المصير، وحق عودة اللاجئين.

هكذا تكون السلطة قد ألقت بالكرة، في حضن المجتمع الدولي، ممثلاً بالرباعية، وخصوصاً الولايات المتحدة، وتشكل امتحانا لهؤلاء وأيضاً لحكومة الرأسين. في الأساس وقبل فحص كيفية التعاطي مع ما تضمنته وثيقة السلطة، ثمة ضرورة لإقناع المجتمع الدولي، بالضغط على إسرائيل لوقف السياسات والإجراءات، التي تتعارض بقوة مع اتفاقية أوسلو، ومع القانون الدولي. منظمة التحرير الفلسطينية كانت قد استجابت للشروط الأميركية، وشروط الرباعية بعد ذلك، قبل توقيع اتفاقية أوسلو، وخلال مرحلة التعاطي معها، لكن إسرائيل لم تظهر استعداداً للالتزام بأي شرط طالما يتعارض مع سياساتها، وكل شرط حتى لو كان محقاً للفلسطينيين يتعارض عملياً مع سياساتها.

يعلم كل من يتابع هذا الملف والتطورات المرتبطة به، ان السنوات الأربع التي سيمضيها بايدن في البيت الأبيض لا تحمل مؤشرات على إمكانية إنجاز تسوية سياسية تؤدي الى تحقيق رؤية الدولتين، وان هذه السنوات بالكاد تكفي لإطفاء جذوة النيران، التي تستعر بين الحين والآخر.

عند دخوله مقر وزارته، صرح وزير الخارجية بلينكن بأن مساعي بلاده لتحقيق التسوية قد لا تتحقق خلال السنوات الأربع للرئيس بايدن، ولكن ذلك لا يعني ان الولايات المتحدة ستهمل الاهتمام بهذا الملف، وهي في كل الأحوال لن تكون قادرة على إهماله حتى لو أنها أرادت ذلك، فالصراع على الأرض محتدم، ويهدد بانفجار الوضع في الإقليم. وأميركا لم تعد تستطيع إهمال هذا الملف أيضاً، لأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بدأ يفرض نفسه على اهتمامات جزء متزايد من المجتمع الأميركي ومن الحزب الديمقراطي والطبقة السياسية.

ولا تستطيع إدارة بايدن التي تحظى بدعم نحو 70% من يهود الولايات المتحدة في الانتخابات، طالما أن 25% من هؤلاء يصنفون إسرائيل كدولة «ابرتهايد»، وبأنها ترتكب جرائم حرب، بحسب استطلاع رأي أجراه معهد الانتخابات اليهودي مؤخراً، على الناخبين اليهود الأميركيين إهماله. ولكن إذا كانت الوثيقة الفلسطينية الموجهة للولايات المتحدة والرباعية الدولية، تشكل عنوان معركة سياسية إعلامية، ضد الاحتلال، أولاً، ولاختبار مدى جدية الولايات المتحدة فيما ينسب إليها من مواقف وتصريحات ووعود، فإن ثمة وقائع عتيدة، لا تسمح بتمرير هذه المطالبات. أعتقد جازماً أن القيادة الفلسطينية تدرك تماما ان ثمة شبه استحالة في تحقيق عملية سلام على أساس رؤية الدولتين، وبأن إسرائيل سترفض هذه المطالب جملة وتفصيلا، وتدرك أيضاً أن الولايات المتحدة لن تمارس ضغطا فعالا على إسرائيل من اجل توفير شروط فتح المسار السياسي. لكن هذه الوثيقة بما تتضمنه من مطالب، ينبغي ان تكون معركة على كسب الرأي العام الدولي وخصوصاً في الولايات المتحدة والدول الغربية، التي لا تزال عواصمها تشهد حراكات، وتظاهرات مؤيدة للفلسطينيين، ومنددة بالممارسات الإسرائيلية. عنوان هذه المعركة هو ان إسرائيل دولة «ابرتهايد» وتمييز عنصري ضد الفلسطينيين، وضد مواطنيها من الفلسطينيين وحتى بين اليهود انفسهم، ما يستدعي إخضاعها للمحاسبة أمام العدالة الدولية بسبب ما ترتكبه من جرائم حرب.
حكومة إسرائيل ذات الرأسين، الأشد تطرفاً من حكومة نتنياهو، لا يمكن ولا تستطيع قبول التعامل الإيجابي مع المطالب الفلسطينية، فعدا ما تقوم به هذه الحكومة فإن وزير خارجيتها المرشح لتسلم رئاسة الحكومة بعد سنتين، يائير لابيد يقول بصريح العبارة، انه يؤيد رؤية الدولتين، ولكنه يرى إمكانية تحقيق ذلك مستحيلاً.
الوسط وحتى اليسار حسب التصنيف الإسرائيلي، باستثناء «ميرتس»، كله مرتاح ومؤيد ضمناً للسياسات التي نفذتها الحكومات اليمينية، وهم لم يفعلوا شيئاً إزاء ومن موقع معارضة تلك السياسات.
الأبواب إذاً مغلقة أمام إمكانية فتح مسار سياسي مجد وفعال وإن حصل ذلك، فإن الأمر لن يتعدى سياسة إدارة الأزمة، ولعب دور الدفاع المدني لإطفاء ما ينشأ من حرائق. إن كانت هذه هي العقبة الأساسية فإن الوضع الفلسطيني بما هو عليه يشكل عقبة أخرى، وإن كانت ثانوية لأنه يوفر لإسرائيل وغيرها الذرائع للتشكيك بوجود شريك فلسطيني.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.