أبو حيان التوحيدي . مرتد فلسطيني! من يقينا ترف الباذخين !!
انها " الالف ليلة وليلة " العجائبية الواقعية في شبقها وشذوذها السياسي والاجتماعي ، فان يصبح الواقع مادة للمسامرات والإمتاع، صدمة سردية عجيبة ؛ بمعنى ان ترتيب الواقع وتسجيله يمكن أن ينفجر تخيلا ، اكثر من التخييل الذي ينتجه نسق العلاقات والدلالات والتداخل بين المكان والإنسان والزمان ،واختراق المنطق وتثوير الأسطورة الخارقة ؛ احتجاجا على الجمود وتهييجا للرغبات والحواس .
سوداوية المسامرات في كونها " إمتاع ومؤانسة " من مثقف "وجودي " يعرف دوره الخياني ويعترف به ؛ فهو رافض لنسق العلاقة بين العالم والخليفة ، وهو في الوقت نفسه متحسر بسبب ضيق يده وهوانه على الناس وعلى نفسه ، حتى اضطر " إلى اكل الخضر في الصحراء ، والى التكفف الفاضح عند الخاصة والعامة ، والى بيع الدين والمروءة ، والى تعاطي الرياء بالسمعة والنفاق ،والى ما لا يحسن بالحر أن يرسمه بالقلم، ويطرح في قلب صاحبه الألم "
لم يكن ذلك التورط حسرة ، بل كان محاولة لرد الظلم ، لان من يتم تكريمهم ويحظون بالعطايا، هم الاقل معرفة ومروءة ، ويساجل التوحيدي بذلك الصاحب بن عباد وابن العميد ، بصفتيهما كائنين بلاغيين استخداميين !هنا في الامتاع والمؤانسة" وفي "مثالب الوزيرين" .
سردية الفاجعة تكمن هنا ، كون المسامر يحظى بفرصة الجريح للحظوة ونيل المراد ، وهو في الوقت نفسه يعترف بانزلاقه نحو المحظور ؛ فكيف له ان يسامر ابا عبد الله العارض وزير البويهيين في واقع وبواقع اقسى ما يكون مرارة ودموية ؛ إذ سال الوزير أبا حيان في احدى ليالي المسامرة عما يقول الناس فيه ، فقال له : " سمعت بباب الطاق قوما يقولون : اجتمع الناس اليوم على الشط فلما نزل الوزير ليركب الزبزب – نوع من القوارب-، صاحوا وضجوا وذكروا غلاء القوت وعوز الطعام وتعذر المكسب وغلبة الفقر ، وانه أجابهم بجواب مرٍ مع قطوب الوجه وإظهار التبرم .
الصدمة "السيميائية "تكمن في تحويل قسوة الواقع وموانع استقامته الى دافع لفعالية السرد واستقامته في ليالي السمر ، تشترك فيها السلطة والعالِم الاثم المتناقض ، السخرية السوداء تكمن في انه كلما تعمق سواد الواقع من الجوع والتآمر والقتل والسمل والصلب ، تحضر احاديث المسامرات الفلسفية والشعرية مصحوبة بالشراب والبذخ وتجمع اباطرة الثقافة في ذلك العصر ، مثل : ابن زرعة وابن مسكويه وأبي الوفاء المهندس ، اذ يتحول هؤلاء العلماء عند الوزير الى بضاعة للمباهاة " ما لهذه الجماعة بالعراق شكل ولا نظير "
يعود التوحيدي " المؤقت " لممارسة دوره" الانتشاري "في فضاء الوزير المغلق ، اذ يفضح المزاج العام للرعية تجاه الوزراء والخلفاء ، فهو يقول : "انهم يقولون لو كان لنا خليفة او امير او ناظر سائس ، لم يفض الامر الى هذه الشناعة ، وان امير المؤمنين المطيع لله انما ولاه من وراء بابه ، ليتيقظ من ليله متفكرا في مصالح الرعايا "
ان هذا "القناع " والمراوغة بين توريط الوزير وتبرئة الخليفة لم يكن الا ثمنا للاستمرار بالسرد وشاهدا على حالة التفكك والصراع التي حولت دموية الواقع الى حالة تخييليه ، وصلت ذروتها بسرد مشاهد الاغتيال التي مارسها " عضد الدولة " ضد الوزير ابن بقية وصلبه ببغداد ، وقبل الصلب فقئت عينه ووضع تحت ارجل الفيلة وظل مصلوبا حتى مات عضد الدولة .
من سواد الجوع الى سواد البذخ .
يروي احمد امين مظاهر هذا البذخ عند الوزراء والخلفاء ، في دولة تنهار وتتفكك وتفتك بها المحن والفتن ،ويسيطر عليها الخواء والخائبون ، فقد صرف عضد الدولة على جر الماء الى بستانه ما يقارب خمسة الاف درهم، في حين كان الوزير ابن الفرات لا يأكل الا بملاعق البلور ، في كل ملعقة لقمة واحدة !!
كان ذلك في القصور المغلقة ، بينما كان فضاء الناس منفتحا على الجوع والفقر ، عالمان متناقضان يتجاوران في دولة تتهددها الفتن وعمليات الاجتياح ؛ تنغلق القصور على اللذائذ وتتراكم اساليبها التي تزيد في الانعزال ؛ بينما يبحث الفقراء عن الأمن وسد الرمق ،
وما يواكب ذلك من الحقد، وعلاقات مشوبة بالرياء والنفاق، ستنعكس فيما بعد بصراع دموي بين السنة والشيعة !
وقبل ان يرتد التوحيدي " المؤقت " عن حالة تعطله في محاولة للاشتراك بالعطايا مع علماء عصرة، يورد ابو حيان قصة انتحار احد شيوخ العلم ممن ضاقت به الحال ، الى ان اعتصره الالم "
فلما توالى عليه هذا ، دخل يوما منزله ومد حبلا الى سقف البيت واختنق به ، فلما عرفنا حاله جزعنا وتوجعنا وتناقلنا حديثه وتصرفنا فيه كل متصرف "
الصدمة المعرفية التي تفرض السؤال عن دور المعرفة ، وعن مكانها وعن اركانها هي ان مجلس التوحيدي تجادل في ما اذا كان للشيخ الحق في الانتحار ام لا ! دون الجدل في الأسباب التي دفعت للانتحار. في إعادة إنتاج مبكرة للأيديولوجيا التي أنتجت الخوارج !
في المحطة ما قبل اعلان الثورة والعودة الى الذات ؛ يصل السرد الى حالة الفجيعة الاعمق ؛ حيث يتحول المسامر " التوحيدي " نفسه الى مادة للإمتاع بذروة المأساة ؛ وهي وصول العيارين واللصوص وربما " الثوار " الى منزل ابي حيان وتخريبهم لبيته وقتلهم لجاريته وسرقتهم ما تبقى من متاع ، كل ذلك يسرده التوحيدي للوزير الذي ضحك استمتاعا ؛ فكيف للمسامرة الاجتماعية الواقعية بل المفرطة في واقعيتها ان تؤدي الى سحرية تصل عجائبيتها السماء؛ ان يضحك الوزير على الدم المراق في منزل نديمه ، بينما يبكي النديم على نفسه دون ان يقسو على من سرق بيته ؛ إذ كيف للضحية أن تسامر حاضن الجريمة بتفاصيل قتله المريع !
عندما حرق التوحيدي كتبه ، حرق الذاكرة والربوبية والتاريخ والمعرفة والانسان .
التوحيدي مرتد فلسطيني: الباذخون الثوريون !
كيف سيحاور التوحيدي الفلسطيني؛ الخليفة والوزير قبل ثورة الزنج وقبل مجيء هولاكو الذي لم يغادر ، كيف سيحاورهم وقد انقسموا أصلا ، بين حكم وسلطة، لا يمتلكان إلا الحرس والعسس وخطب الجمعه :الباهتة والمتشنجة ، وحتى الأن لم توضع صورهم على العملة ، فهم يأكلون ويشربون ويرشون ويجاهدون ويثورون بعملة عليها صور قاتليهم ومحتلهم !
كيف سيسامر التوحيدي الباذخين الثوريين الذين مازالوا أو كثير منهم، يقبضون ثمن حياة المعسكرات التي عاشوها، ووجوههم تشع ببذخ الترف في الصالات والفنادق، إن الثوريون هنا يقلبون المعادلة من الأثر الرجعي إلى الأثر اللاحق، يطلبون قداسة المقاتل ويعيشون ترف الباذخ دهرا أطول. يخجلون من المشي في جنازات شهدائهم ويسترقون بنظرة الشبق مراسيم التبجيل في بيوت العزاء. كيف لثائر مرتد أن يطلب التبجيل من أب لشهيد!!
كيف سيكشف أبو حيان عن شبهة الترقيات العسكرية لقائد يتهرب من مزاملة صورة رفيقه الشهيد حتى لا يخسر بطاقة الرجل المهم !!!!
كيف سيحاجج التوحيدي العلاقة بين الحكم والسلطة، السلطة التي استبدلت الثورة بالوظائف والحكم الذي استغل فساد السلطة لينتج حكما مقدسا، قدم على أعتابه أرواح المئات تطهيرا ثم حولهم إلى قرابين ! من يقينا ترف الباذخين الذين يتناقشون في شرعية الحسم أو الانقلاب ووراءهم جيوش من الجياع والمشردين !
من يقينا ترف الباذخين الذين يستحضرون الثورة أو ما تبقى منها ومن طهرها لتنقية مشهد قتل في غاية الوضاعة وهم لا يعلمون.
ماذا لو عاش التو حيدي في زمن لم تعد فيه الأخبار هي الأخبار ؛ فالأخبار – الأحداث- لم تعد ما تعيشه بل ما تراه على شاشات ملونة تريك الأن هنا ن ما تريد هي أن تريك إياه ، وتحجب عنك ما تريد حتى إن حدث .. كيف سيفشي أبو حيان السر لخليفة الثوريين بان جنوده في حرب الصور يرونه صورته دون أن يصنعوها ولا يسمعونه إلا صوت رعاياه!!!
لو عاش ابو حيان في عصر الفضائيات لأصبح مفكرا فضائيا ، ثرثرته فلسفة وادعيته فقها ، ولأصبح ثريا، ولديه المئات من الجواري والغلمان. فلا فرق هنا بين الشتائم والدعاوى وبين الاغتصاب وفتح الطرق ، وبين ان نهدي هولاكو مفاتيح بغداد رغبة في السلام أم الغنيمة. وربما كان دور المستسلمين هنا لخدمة أهل بغداد من الهلاك، فهناك تطبيع ضد بغداد وهناك تطبيع معها!!! هذه مفارقة لا يستطيع أبو حيان فهما وتأويلها وهو ظل اللغة والعقل ،، سيقولون لك هنا: إن الجارية تبيع الهوى طمعا في إمتاع المحرومين لا في المكافاة !!
كيف سيعيد أبو حيان "مثالب الوزيرين" على مسمع الخليفة ويقول له إن جنوده يضربون النساء في الشوارع ويقابلون الصراخ بالهراوة، والمشي على الأقدام بالضرب على الرؤوس....! كيف سيفهمه من" الإشارات الإلهية" بان هذه علامة سقوط لا علامة قوة !!! وان اتهام من يرفضوننا بالردة هو ردة، سيسرد أبو حيان على مسامعه قصة الثائر المرتد ، ويترك مجالا للتعريف والحكم على المرتد بينهما: من التهم السجن عمره، ومن هو أمام قائم امام ولائم الثريد !!
كيف سيقترب أبو حيان من أذن الخليفة ليساله: هل نبني دولة يلزمها رئيس أو زير، أم نريد بناء دولة للرئيس!!!
وربما يتهور ليسال الخليفة او الرئيس : لماذا يغضب اذا قال عنه الصغار ما يقول هو نفسه، ألا يعلم انه في السياسة للأقوال قيمة اكثر من الأفعال!
كيف سيتامر التوحيدي بالتلميح لقتل قسوة التصريح بان قتل ثائر محتج اسمه نزار بنات لن يجلب مجدا ، وان الأعذار غير الاعتذار خطيئة تتراكم، وان الباذخ في جوعه ليس كالمترف في قتله، العيش المتقشف والقتل المتقشف لا يتساويان . وان إهانة واحدة لامرأة اوعابر بالطريق قد يمحو مجد ثورة بأكمله ، ويحول الموت، من المجد إلى الهوان !!.
من يقينا ترف الباذخين الثوريين الذين يضجون بحمى التآمر والاستهداف على ثورتهم وليس عليها خطر إلا اغلبهم، من يقينا ترف الباذخين الثوريين الذين يتباهون بإلغاء امتيازات الشهداء من سجلات الوظائف ولا فضل لهم سوى انهم نطفة من ثائر " حالة بيولوجية" ، الأكثر مفارقة انهم يسمون انفسهم ثوريين ومركزيين وهم إن بقوا بهذا الطريق سيكونون اللجنة التأبينية لثورتهم. .
الباذخون الربانيون !!!
كيف سينجو أبو حيان من البلاغة أمام حكم الربانيين، بعد سلطة الثوريين، وكيف سيتنازل عن صوفيته لتحويل مناجاة الله والخلاص والخوف من المصير، كيف يستطع تفكيك الخوف من عذاب القبر وتحويله إلى موقف سياسي، وكيف يحاور المنطقي ربانيا يؤمن بان من يعاديه يعادي الله ! وماذا سيورد في البصائر والذخائر من مقابسات حول فقه الحكم مقسوما على فقه الأخبار، دع الأحداث تحدث لكن لا تنشرها، وبذلك ترضي الله والعبيد ، لا تتعب نفسك بمراقبة البحر ولا بتدريب الصياد اشتر الشبكة وكفى!
سيستعيد أبو حيان عند محاورة الربانيين ارثه السفسطائي الذي لا يحب، إذ كيف سيكشف المنطق أمامه باستبدال تحرير الأرض بتحرير السلطة وتحويلها الى الحكم والتبرؤ من الحكومة، عودة سفسطائية بلاغية مفادها أن الحكومة " الوسخة" عليها أن تدفع الجزية للحكم النظيف الذي يتفرغ لمراقبة الخارجين وإعدامهم وإدارة المعركة مع العدو – إن لزمت- ، وان تطبيق الشرع يكمن في عدم تطبيقه، سيتعلم التوحيدي المحسنات البديعية حتى يتجاوز ابن العميد في السجع والزخارف وعبادة البلاغة و تقديس عبارة" نصرت بالرعب" وربما يتعلم البكاء على الضحايا الذين لم يقتلهم .
كيف سيفهم ابو حيان خليفة أو أميرا بان قتل جاريته كان تطهيرا، وان تعويضه بصاع من التمر كفارة، وكيف سيحاور مسكويه في الهوامل والشوامل بان تطبق حد الحرابة بقطع الأرجل على الجنود تطهيرا وان مسامحة من كانوا قادتهم كفارة، سيسال التوحيدي مسكويه كيف يمكن ان يصل التطابق المنطقي بان مدلول الفاسد يمكن ان ينقلب الى مدلول المصلح في الدال نفسه! وسيرفض الاستبدال بين المجرد والمجسد ، بان لكل حرية ثمن وبان لكن تغيير ضحايا، وان خير الخطائين التوابون، ليقابله بتجريد اخر:" تامرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم" ولا تزر وازرة وزر أخرى، وانه عند المقابلة لا مقارنة بين لص وشهيد ، بل هي مقارنة بين لص ولص وشهيد وشهيد !! وان المبررات الجميلة لا تغير الواقع البشع، وان اقناع الأخرين للموت من أجلنا لنرثيهم ليس إقداما.
سيرتد التوحيدي ويقول في سردية السمر للأمير، ويقول: إن ضبط الطريق لدابة ليس اكثر أهمية من توفير لقمة للجائع وان صراخ الجائع ليس هوانا و ليس تمردا ضد الله وظلاله، وان فقة الابتلاء ليس حكرا على الضعفاء والمهمشين، وان الغنائم ليست لبيت المال وحده ولا للمؤلفة قلوبهم.
سيعطي ابو حيان درسا لمسامريه الفلسطينيين، درسا في الدلالة، بان القتل هو القتل، فحذار من استبدال القتيل بقاتل مقدس، وحذار من تبرئة القاتل بضحية مشبوهة . سيصرخ بان لا تقبلوا أن تكونوا قتلى السلب تطهيرا ام كفارة ام ابتلاء. لا يوجد قاتل رحيم !!
لن يرتكب التوحيدي الفلسطيني فضيلة التملق، ولا رذيلة الحسد ولا شهوات الإشباع والامتلاء ، ولن يقبل ان يكون مسامرا للخلفاء والأمراء بدمه وكرامته، ولن يقبل ان تحرر مناطقه – أن حررت- ليصبح فيها حقل تحارب لسيوف البلاهة والبلاغة، فمن يموت من اجل الحرية لا يستعبدها، ولا كم في نوعية الجريمة . سيحرق كتبه لكنه سيفضح كل من سرقه وتسامر على إنسانيته ، ولن يتنظر عدالة القيامة إلا أمام القدر؟!
لا قداسة لسلطة أو لحكم ، ولا قداسة بهما، ولا تحرر ، فليختفيا لنعرف عدونا وقاتلنا ومحتلنا ثانية، فقد اتسع التأويل والنصر وضاقت الحقيقة، سيرفض التوحيدي المقايضات ، لن يقبل مقايضة الفساد بالدموية ، ولا مقايضة وهج الصواريخ – المنجنيق في زمانه- ضد العدو وتحويل قداستها الى سيوف على رقاب الجياع. وان النصر بالرعب لا ينطبق على الأطفال.
من يقينا ترف الجدل حول تأويل الانتخابات التي لم ولن تكون وصفة لثورة، فهي وصفة لتقاسم واحتواء للخيبة والأمل- سلطة وحكم- ، واصطياد الأهواء ، فتأجيلها بهوى الخسارة ليس اقل شبهة من الاستعجال بها لشبهة الانتصار ، فالخوف هوى يتفوق عليه الطمع..
من يقينا يذخ الربانيين الذين يعتبرون الموقف منهم وموقفهم من غيرهم هو الحق، فهم ينتجون معادلة جديدة، ليس المهم ماذا تفعل ، المهم هو من انت منى، يمتلكون بذخ إدارة الاشتباه في محبيهم وكارهيهم لدرجة انهم يكرهون عدوهم ويوالون من يحبه .
من يقينا ترف الربانيين الذين يصمتون على مشهد للرعب على شاشاتهم بما فيه من دموية لا تحتمل ويجتمعون كالملائكة بكاء على الضحايا إن هم لم يقتلوها. فهم بارعون في تدمير كل العلاقات وتحويل الفاسد الى مصلح في رمشة عين !!! ان تحبني فانت تحب الله وان تكرهني فالله يكرهك، لم يعد تدينا بل اصبح شراكة مع الرب في دمك وعرضك!
من يقينا ترف الربانيين، يقتلون الاب أمام أبنائه تطهيرا للفئة الخائنة والاستئصالية – كما يسمونها- ويرهبون أعداء الله وعدوهم بجر جريح وقتله إمام الشاشة ، ثم يعودون يعد حين بتسمية الفئة نفسها بالإصلاحية ويدفعون الكفارات!
من يقينا بذخ الدول- الغاز والأبراج - والمفكرين الترفين الذين استبدلوا السياسة بالسياحة والفكر بصورهم ،فأسسوا وكالة سياحية- لنقل الموتى- من اجل التغيير والتحول الديموقراطي، في دول بلا شعوب وفي أوطان غير أوطانهم، لقد حولوا رواتبهم الى قضايا وجودية، يصفقون بأناقة، ويرفضون " بدائية" التسحيج، يشرحون أمام الأمير الغازي جدلية العلاقة بين المثقف والسلطة استهزاء بالشيخ البرجي .
سيرتد التوحيدي الفلسطيني وسيرفض مقايضة الفساد بالدم والعقل بالإبهار والضجيج ، لن يقبل التوحيدي بإسلامية دولة الغاز ولا علمانية دولة الأبراج ، فاكثر من خمسة عشر عاما من الحسم – الانقلاب – الانقسام ، تساوي اقل بقليل خمس عمر الصراع مع العدو تحبط كل المشاريع البلاغة الوطنية التي لا يمكن حلها بمواثيق لغوية جديدة، لتؤكد ان هذه السنوات العجاف كانت استقالة من القضية الوطنية لصالح المشاريع السياسية والأيدولوجية .!!
.
بذخ بيتا : خروج عن النص
لا تريد بيتا، بلدي، التي اعرف أرضها وزيتونها وزعترها وقبور شهدائها جيدا عبارات التفخيم ولا مصاريف الجنائز وبيوت العزاء، بيتا إجابة الشوامل على الهوامل، بان المستوطنة بديل للبيت وان وهج ضوئها بديل لقمر فلسطين ، وانها الاحتلال المستمر الذي لا تخفيه البلاغة ، ولا تخفف منه مراسم الاستقبال لأفواج المتضامنين ولا المسؤولين، بيتا لا تجيب عن نفسها؛ انها الفرد الوجودي الهوية فلسطينيا، قدمت أجساد أبنائها لتأجيل التهام روحها – أرضها- وستستمر بذلك لا تدافع عن داخل السور وإنما عن حدود السماء الفلسطينية ، لا تتواسى بالوعود ولا الصور، قادتها أطفالها الشهداء الذين تمردت كرامتهم غير الملوثة بالعقلانية، لكننا نبكي عليهم لأننا لم نستطع حمايتهم ولم نرحل قبلهم. لذلك لن نكون كرماء بان نمنح غيرهم حق الحديث عن النصر الا بإعادتهم إلى أسرتهم وأحضان أمهاتهم ومائدة إخوتهم، والا فلا.
لا حلوى للنصر قبل تسييج الحديقة وطرد سارقي البذور من سمائها ، ولا حكم أو سلطة مع أنوار مستوطنة، هذه إجابات لا تؤجل، تسائلها بيتا بعد أن عرفت كيف تحب نفسها، وأسقطت جلسات الجدل من لياليها، وأزاحت الإشارات الأيدولوجية وطنية أم ربانية، إلا من أيقونة العلم الفلسطيني . لم تقبل أن تهب أجساد أبنائها طعاما للشاشات ولثرثاري الاستعراض في حفلات الإخراج المسرحي للبطولة والهزيمة.
سأعتذر لعيسى الشهيد عن خطيئة النسيان المحتمل وسأذكر للرائين بان الطفل الذي كان يقود المسيرة نحو الجبل هو ابنه، وانه خاف على أبناءه في حواريته الأخيرة مع الحياة بالقدر الذي خاف فيه على الجبل. وكان هذا القانون الوحيد المطبق لدكتور في القانون .
سأعتذر لطلاب زكريا المدرس الشهيد الرقيق والابن البار الخجول، سأعتذر عن خجله أمام دموع محبيه ووالده ووالدته، فقد قدم درسه الأخير ببلاغة متقشفة. وليعلم العالم أننا نتبادل رعب الشوق بين مدرس وطالب .
سأعتذر لمحمد الفتى الشهيد ابن زميلي ورقيق دراستي ، بانه لم ينتظر اكثر ليسمع عيون محبيه في تشييعه وان والده اصبح ابا لصفه . وان جده الذي ورث اسمه قد ورث شهادته. وانه علمنا الصمت عند الحديث عن الفداء. رحيل الصغار اشد قسوة لعدم اكتمال البلاغة في الوداع .
سأعتذر لأحمد الفتى النبيل الشهيد الشاهد، الذي تضامن مع صديقه محمد الشهيد ورافقه الى دنيا لا نراها، سأعتذر منه لماذا كان ابلغ منا في تعليم الدرس وتعلمه ، بانه دفع من دمه الثمن ولم يصح: بانه وطن يباع ويشترى.
سأعتذر من الجرحى الهاجعين مع أملهم ولم نذكرهم أمام سطوة الموت بانهم يحاورون الألم بشجاعة، وان أقدامهم المعلقة اسمى رتبة، وبان جروح وجوهم بصمة ربانية .
سأعتذر لمحمد وإسلام شهداء جبل العرمة بان مهجع روحهيما موحش الأن ، فقد انتقلت المواجهة الى جبل صبيح، لكني واثق بان روحيكما ترفران في المكان ، فالهواء والزعتر والطيون والزيتون في بيتا واحد والجنازة واحدة. أرى عمودين من النور نحو السماء يشعان من عرمة العنب والزيتون والتين.
لا تدافع بيتا عن نفسها ، بل عن فلسطين وتزيل القذى من العيون التي لا تريد أن ترى المعركة بانها معركة الاستيطان؛ بها بدا الاحتلال والاستعمار وبمواجهتها فقط ينتهي، وهذه المواجهة لا يحتملها إلا احتمال واحد، يتوهج الأن في بيتا، لا تأجيل ولا تبرير ولا استبدال، لا تبرير الثوريين ولا وعود الربانيين !!!
امتن لبذخ العطاء والألم في بيتا بعد ان تجاوز إغراءات السلطة ومكر الايدلوجيا، الذي أوقف شهوتنا في تمزيق ذاتنا في معركة الهيمنة؛ ليذكرنا باننا أمام فوهة القناص. امتن لجبلي العرمة وصبيح جبل العرمة الذي كتبني في المواجهة الاولى مع الاستيطان في العام 1988 ، كتبني بان رأيت درس فداء الدم للعشب على التراب، وان الهزيمة ليست النتائج ،وان القوة ليست ضمان النصر دائما. امتن لجبل صبيح الذي كتبته في القادم من القيامة باسم جبل الصنوبر، علمني العجائبية والجمال والحب وطعم الخبز والشوق وان نظرة المحب اكثر قربا كلما ابتعدت .بيتا لك السلام وعليك اغفري لأبنائك إن رحلوا في حبك وامنحينا نظرة الاشتياق الطويلة لهم لتكون اقرب.