الحالة الفلسطينية الراهنة
مقالات

الحالة الفلسطينية الراهنة

الناس في البلد في وضع لا يحسدون عليه، وكأني بهم يعيشون مرحلة انتقالية من حالة الى حالة طال أمدها على الناس دون أي تحرك ودون أي إنجاز يعتد به، عندما تتابع شؤون الناس تجد أنها ابسط من البساطة ولكنك تتابع لتدرك انسداد قنوات التأثير للخروج بحل مشرف لها، الناس محتقنون ويفرج احتقانهم بقضايا ليست جوهرية وبلا معنى فردة الفعل جاهزة قبل أن يقع الفعل، والجواب على مواقع التواصل الاجتماعي قبل ان ننهي القراءة، والتعقيب في اللقاءات المفتوحة قبل ان نسمع مداخلة المتحدث الرئيس، وتتعاظم الحالة سلبيا ولها انعكاساتها على المجتمع.
هذا الواقع نتيجة حتمية لضبابية الموقف السياسي، وتراجع افق الانفراج السياسي والاقتصادي، ونتيجة لتراجع دور المؤسسات التي أصبحت تتعالى على الناس ولا تسعى لتمثيلهم او نقاش وضعهم العام بل باتت سلما للصعود لوجاهة تقليدية تقبض من خلالها على المؤسسة وتحلق بها الى عالمها.
وبالرغم من ذلك لا يجوز ان يتحول الطرف الأضعف في المعادلة الى خصم ويصبح تركيزنا على الثانوي على حساب الرئيسي، التجمع وحرية التعبير حق مكفول وله أسسه وانضباطه صوب الهدف الأساس، وبالمقابل فإن المنشآت التجارية الصغيرة هي ليست خصما ولا ندا وجل وقتها تسعى لطلب الرزق لسداد التزاماتها سواء ان كانوا ضامنين لمحلاتهم بمبالغ كبيرة أو التزامات الأجور المرتفعة لمحلاتهم، ترى لماذا نحن مضطرون لكي نطحن أنفسنا كأشخاص مؤمنين بفكرة حرية الرأي والتعبير ومن ثم نصطدم مع تجار صغار يكدون ليحصلوا على الحد الأدنى لمعيشتهم.
حالة الاحتقان الماثلة أمامنا لا يجوز أن تحرف بوصلتنا بالمطلق صوب قضايانا المركزية منطلقين من ركائز العقد الاجتماعي في المجتمع الفلسطيني التي أسست لها وثيقة الاستقلال، ومن ثم ذهبنا صوب القانون الأساسي وبنينا على أساسها تقاليدنا النضالية والمطلبية والفعاليات المختلفة، إذا نحن مجتمع متعدد ولسنا مسطرة واحدة، ولنا حقوق وعلينا واجبات، نحترم هذا التنوع والتعدد ولا نحجب عن أي كان حقه بالتعبير والرأي وممارسة حق الاختلاف وعليه ان يحترم حقنا كما احترمناه.
في كل المفاصل التاريخية في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني تدوم حالة من الاحتقان لفترة طويلة ومن ثم ينتج عنها مشهد جديد ولكننا كنا نجد مجموعة تنقلنا من مرحلة الى مرحلة تلافيا لحالة اليأس والإحباط والتشرذم من حيث ندري أو لا ندري، وعندها نقف لنقيم تلك المرحلة ولم تكن أي مرحلة بنظر الشعب الفلسطيني مثالية بل كانت قابلة للتقييم والمراجعة، صحيح أننا غالبا لم نحسن استخلاص العبر ببراعة لأننا قد نكون قد أخطأنا في التشخيص بداية.
والمؤسف ان تنعكس حالة الاحتقان على تفاصيل حياتنا فنصبح غير قادرين على قبول (طفل مشاكس في مخيم صيفي) أو (موظف بلدية في قطاع البناء والتنظيم لأنه يعتمد الإجراءات حرفيا) أو (بلوزة مطبوع عليها صورة) وهذه تمتد الى عشرات الحالات التي نعيشها يوميا ما يعكر صفو حياتنا دون مبرر، حتى أن الناس يعلنون انهم شركاء وعندما يوضعون على المحك كشركاء يتنازلون عن الشراكة ويصرون على المناكفة، ولا أتحدث سياسة هنا بل أتحدث عن عضوية طوعية في مؤسسات وعن عضوية طوعية في مبادرات، عن جيران في عمارة، وعليها يتم القياس في الحياة اليومية.
حالة الاحتقان حولت الزبون في صالون الحلاقة من زبون على الكرسي الى منظر يحاول أن يفرض الجو الذي يريده تعبيرا عن الواقع الذي نعيش، فهو دعا والده لزيارته في المدينة التي يعمل بها وبدأت الحكايا عن والده الذي «طش» في المدينة ومن حيث لا تدري ادخل الجميع في جو (البلد خربانة) (هدول هدولاك)، هذا الحال بات شكلا من أشكال الحياة اليومية كنوع من خفة الظل أو الرغبة بالحديث أو إضفاء جو في المكان ولكنها تتحول الى نوع من طق الحنك الذي لا يفضي الى شيء بالمطلق، والجميع يلتمسون له عذرا ويلتمسون عذرا لمن يفحط بمركبته على أساس انه مأزوم ويلتمسون لآخر عذرا وهو يجمع أصدقاءه لينظم مهرجانا للكلاب باب مطعم على الأقل دفع صاحبه مليون دولار ليفتتحه، ولكن حذار أن تكون موضوعيا وتنتقد بموضوعية وتضع برنامجا للتغيير بشكل موضوعي وملتزم فلا يلتمس لك أي كان عذرا وتصبح مثقفا مأزوما لا تريد ان تدفع ثمن موقفك.
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم في هذه الأيام المباركة وكل عام وانتم بألف خير.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.