خط لبنان تونس وبالعكس
لو قرأنا بحيادية كيف كان مآل التجارب الناجحة في بنية ومسار النظم والكيانات العربية، لاستوقفتنا ثلاث تجارب كنماذج، واحدة هي دولة الكويت في الخليج، والثانية لبنان في بلاد الشام، والثالثة تونس في المغرب العربي.
الاولي.. وهي الان اشد رسوخا في الحفاظ على ثوابت الدعم والتنبي للقضية الفلسطينية، فحين ازدهرت فيها مؤسسات النظام والحكم، ونافست فيها الصحافة والفنون والثقافة مواطنها التقليدية في عالمنا العربي، ارسلت لها الدبابات وكان ما كان.
والثانية ذلك البلد الذي قيل فيه..”نيال من اله مرقد عنزة في لبنان”، عاش بين ازدهار وتألق لفترة من الزمن وحروب داخلية وخارجية وبالوكالة لفترات اخرى، فكان يستأنف الحياة ويرمم ما يستطيع من مخلفات الحروب غير آبه بأن أقداره جعلت الحرب القادمة واقفة على الدوام وراء الابواب.
والثالثة تونس، الواحة الخضراء التي حين قرر العرب جميعا “الحرد” عن القاهرة ، واخراج جامعة الدول العربية منها، لم يجدوا غيرها لتكون عاصمة الحد الادنى من وحدتهم، فنقلوا الجامعة بكل مؤسساتها اليها، ناهيك عن استقبالها لعشرات الوف الثوار الفلسطينيين وعائلاتهم ومؤسساتهم وقياداتهم الكثيرة، وعلى رأسهم جميعا الرجل الذي كان يصف نفسه بصاحب الدبيب الثقيل ياسر عرفات، الذي لم تحتمله اي من البلدان التي وجد نفسه وثورته فيها.
كان مفرحا ومصدر سعادة تعافي الكويت مما تعرض له لتعود الى دورها كعامل توازن موثوق في نطاق بيئتها الخليجية فضلا عن رسوخها في امر ثوابت الموقف العربي من القضية الفلسطينية. وبوسعنا اعتبارها استثناءً ايجابيا وان كان بعد ألم طويل وعميق.
اما لبنان.. الواحة الحضارية في بلاد الشام، والطليعة الفنية والثقافية والمصرفية والسياحية والعلمية وغير ذلك الكثير في العالم العربي والشرق الاوسط، فها هو يتعثر حتى في ابسط ما يواجه الكيانات والبشر بدءا من معضلة القمامة التي احتلت اجمل عواصم الشرق الاوسط وسممت اجوائها. ولكي لا نغرق في الامثلة فهو الان مريض يصارع بين الحياة والموت، فلا احد من اهله ولا من اللاعبين على ارضه من محيطه القريب والبعيد ولا الذين كانو يعتبرونه منطقة حرة يستمتعون فيه بما لا يستمتعون به في اوطانهم ، يعرفون الى اين ستؤول اموره ولا كيف يساعدوه لو ارادو على ان لا يتبدد ويموت، هو الان معضلة لم يسبق ان وصل اليها منذ تأسيس دولته .
هذه التجارب الثلاث الموزعة شرقا ووسطا وغربا، على الخريطة المسماة بالعالم العربي ، ودون انكار ان هنالك كيانات عربية تشابهها ولو في بعض الجوانب، فنرى الان دولتين ومجتمعين في حالة مأساوية لا يجوز سياسيا واخلاقيا ادارة الظهر لهما وكأن من تباهوا بتميز البلدين يقولون وبحيادية تصل حد الانكار ” اخلعوا اشواككم بأيديكم” ذلك يجسد حالة من تناقض مأساوي في التعاطي مع بلدين أقر الجميع بتميزهما وحاجة العربي لهما، فكل الجميل في لبنان هو للعرب جميعا وكل الاوجاع والمآسي له وحده، نطرب لفيروز ونضعها في وجداننا وثقافتنا بمكانة الايقونة النادرة ، اما التفكك والانهيار والوقوف على حافة الموت فهو شأن لبناني خالص.
اما تونس.. فميداليات الذهب والفضة التي حازت عليها حتى الان في الاولمبياد فهي للعرب وباسم العرب ورافعة رؤوس العرب وتصلح للتباهي بها امام الامم الاخرى وتزين واجهات الصحافة العربية من محيطها الى خليجها، اما الضائقة الشاملة التي يعاني منها اهل حاصدي الميداليات، فهي شأن تونسي لا دخل لأحد به .
هذه بكل الحزن والحسرة ثنائية مرضية اصابت الحالة العربية قبل كورونا بكثير ومرشحة للاستمرار بعدها كوباء عابر لكل الاوبئة.
هنالك سؤال منطقي يتردد على السنة مئات ملايين العرب، متى نخرج منها وكيف؟… متى؟ لا احد يعرف، اما كيف فالكل يعرف ولا يريد الاقرار بما يعرف، والامر لا يحتاج الى اختراعات ومعجزات، فمن كانوا اسوأ منا وصاروا افضل فهم نماذج تملأ الكون، فلم لا نحذو حذو صانعيها ولا يعيبنا هنا ان نستنتسخ تجاربهم حرفيا وان نستوردها ولو الى جانب كماليات هذا العصر التي تأكل ثلاثة ارباع مقدراتنا.
ظاهرة عربية اشبه بلغز غير مفهوم ، لم نحب دائما ان نستنسخ تجارب الفاشلين مع اننا نرى نتائجها على جلود اصحابها وعلى جلودنا .. كلمة السر المعروفة جيدا تكمن في سؤال الاسئلة … لم لا نفعل ما فعله الناجحون؟