أحداث الخليل.. ورقة التوت التي سقطت عن عورتنا الأمنية!
رئيس التحرير: تُنبهنا الأزمات إلى أن التغيير باتَ مطلباً وضرورية حياتيه لاستمرار تماسك الفلسطينيين اجتماعياً وسياسياً، وهذا ما كشفت عنه مرة أخرى أحداث الخليل المؤسفة، والتي خلفت دماراً وشرخاً اجتماعياً إضافياً.
ما تشهده بعض المخيمات والمدن الفلسطينية من ظهور للسلاح "غير الشرعي" واستخدماته لترهيب وترويع المواطنين ظاهرة تدق ناقوس الخطر، خصوصاً في ظل العديد من الأجهزة الأمنية التي تصرف لها الحصة الأكبر من الموازنة الفلسطينية بهدف تحقيق الأمن، وهو شيء افتقدته الخليل على مدار أيام، رغم عشرات آلاف رجال الأمن، فأين المشكلة؟!
المشكلة لم تبدأ حديثاً في الخليل أو بلاطة أو مخيم جنين، بل هي تراكمات، وسكوت "مشكوك بأمره" على هذا السلاح "الغير شرعي" الذي يصل إلى أيادي الزعران دون أن تحرك الأجهزة الأمنية ساكناً، ودون قرار سياسي صارم لسحب هذا السلاح الذي لا يعرف إطلاق النار على الاحتلال، بل وصل وصُمم ووزع خصيصاً ليذبح الفلسطيني أخاه (فقط).
مئات وآلاف قطع السلاح الموزعة من يطا وحتى جنين ستنخر المجتمع الفلسطيني كالسوس، ولا يقولن أحد إن هذا سلاح مقاومة، بل هو سلاح لحرب داخلية فلسطينية، ودماء الأبرياء الذين يقضون به مُعلقة في رقاب المسؤولين.
هي ميليشيات تكبر رويداً رويداُ، وباتت تمتلك من الذخيرة والأسلحة ما يفوق بعدده ونوعيته ما تمتلكه السلطة الفلسطينية، هذه الميليشيات والعصابات لن يستطيع أحد ردعها أو إيقافها إذا ظلت تنمو، ما يعني أن التدخل لتفتيتها بات ضرورياً، وقبل فوات الأوان!
أما فيما يخص الخليل، فقد كشفت الأحداث عن فشل مُركّب، فشل في إدارة المحافظة، وفشل بإدارة الأجهزة الأمنية، فشل في الفصائل، فشل في أقاليم فتح، فشل في كلِّ شيء، فأين الأحزاب والتنظيمات التي لا تعرف إلا "البعبعة " ، أين حركة حماس؟ أين "الحِراكات"؟ أين من كانوا يحركون الشارع قبل أيام؟ أين اختفى كل هؤلاء؟ أم أن الأحداث الجارية لا تحقق لهم مكاسب لذلك تنحو جانباً؟!!
أكبر فشل كان الفشل الأمني، ما يعني ضرورة هيكلة الأجهزة الأمنية، ومحاسبة المقصرين في كل الزوايا والمناحي، يجب "نفض" الترهل الإداري الموجود، يجب إزالة الغبار عن رُتب ومكاتب، يجب أن يكون ما جرى في الخليل جرس إنذار مدوٍّ تدفع المسؤولين لاستخلاص العبر والدروس، حتى لا نعض على أصابع أيدينا وأقدامنا!
ما حدث ويحدث في قرانا ومخيماتنا ومددنا يدلل بما لا يدع مجالاً للشك ان هناك تقصيرا من قيادات الاجهزة والمحافظين بل ومن مدراء الدوائر الأمنية في مختلف المحافظات والتي لم تستطيع حسم اي منطقة وجمع السلاح المشبوه فيها.
فشل آخر هو فشل في جهاز القضاء، فلو شعر الناس بالعدل وأنهم أخذوا حقوقهم لما اتجهوا نحو أخذ الحق باليد. إن تسريع النظر في القضايا، وخاصة الجنايات هو مطلب ضروري للحفاظ على نسيج المجتمع.
إن غياب التدوير لمسؤولي الأجهزة الأمنية في المحافظات، وهو أمر يشمل المحافظين كذلك، يخلق بيئة غير صحية، تجعل المياه راكدة وصالحة لنمو فطريات وطحالب، و"فهمكم كفاية".
الحقيقة الآن هي أن هناك فشلا أمنياً ذريعا يقود باتجاه الفلتان الأمني، يتحمله كل من لا يزال في منصبه، ومطالبات الجميع بالتغيير ليست من أجل التغيير بل من أجل مستقبل أفضل، مستقبل آمن يطمئن فيه المواطن على حياته وعلى مشروعه وعلى محلاته التجارية وعلى بيته وأطفاله.
بعد الذي جرى في الخليل، الشارع ينتظر التغييرات في الحكومة والأجهزة الامنية والمحافظين، لتدارك ما جرى ولمنع تكراره، ولمنع الانهيار الكامل للمنظومة المجتمعية والأمنية.
حمى الله فلسطين من كل سوء.