مربع قيادي "حماس" بلا منازع
في بيان مقتضب، صدر صباح أمس، أعلنت حركة حماس عن انتهاء الانتخابات الداخلية، التي استمرت نحو عام، وذلك بإعادة انتخاب إسماعيل هنية رئيسا للمكتب السياسي، وصالح العاروري نائباً له، فيما احتفظ قبل بضعة أشهر يحيى السنوار برئاسة إقليم قطاع غزة، فيما انتخب العاروري رئيسا لإقليم الضفة، وبذلك يمكن القول، بأنه باستثناء انتخابات رئاسة إقليم قطاع غزة، التي شهدت منافسة تطلبت جولة انتخابية ثانية بين السنوار وربحي مشتهى، فإن انتخابات كل من إقليم الضفة والخارج، والأهم المكتب السياسي المركزي للحركة تمت دون أي إثارة، أو تنافس، وبذلك فإن النتيجة الرئيسية هي تكريس المربع القيادي في الحركة المكون من كل من هنية والسنوار ومشعل والعاروري.
المثير في الأمر هو أن انتخابات غزة وحدها التي ترافقت باهتمام إعلامي، ربما بسبب ما حدث فيها من إثارة نتيجة التنافس بين يحيى السنوار وربحي مشتهى_ كما أسلفنا_ وربما يعود الأمر إلى غير ذلك، فقيادة حماس في غزة هي عملياً التي تدير الحكم فيها، وفي غزة مركز ثقل حماس العسكري والسياسي، وهي عملياً التي قادت الحركة منذ نشأتها، وحتى المكتب السياسي بالخارج، لم يكن سوى مكتب لاتصالات الحركة بالخارج، وقد كان ثقل غزة واضحاً في حياة احمد ياسين وسلفه عبد العزيز الرنتيسي، وبتقديرنا باستثناء فترة محدودة، اعتمدت فيها الحركة خلال العقد الأول من القرن الحالي على الدعم اللوجستي المالي والعسكري الإيراني والسياسي السوري، حين كانت تحسب على محور الممانعة، فإن المكتب السياسي لم يكن هو القائد الأول للحركة، ثم بعد ذلك شهدت العلاقة بين قيادة غزة والخارج شداً وجذباً، خلال العقد الثاني الذي شهد وصول الأخوان إلى حكم مصر وتونس، وشبكة الأنفاق الاقتصادية بين غزة ومصر.
حينها تراجع تأثير المكتب السياسي برئاسة خالد مشعل في حينه، فيما قوي مركز غزة بقيادة رئيس حكومتها في ذلك الوقت إسماعيل هنية، حتى وصل الأمر إلى بدء مرحلة ما بعد مشعل بعد خسارته حليفه الممانع، واعتماد الحركة على تركيا وقطر في تحالفاتها الإقليمية، فكان أن ضحى مشعل أولاً بنائبه موسى أبو مرزوق لصالح هنية، حين أعيد انتخاب مشعل بعد زيارته غزة رئيسا للمكتب السياسي وهنية نائباً له، على أن يكون هنية رئيس المكتب السياسي بعد أن ينهي مشعل ولايته الثانية.
وباستثناء إعلان مكتب سياسي (أي قيادة إقليم قطاع غزة المكون من 20 عضوا) لم تعلن بشكل واضح حماس عن قيادة إقليم الضفة باستثناء رئيس الإقليم ونائبه، ذلك فعلت مع إقليم الخارج، وإن كانت الحركة تحرص على أن تبقى قيادة الضفة شبه سرية لأسباب أمنية، فإن قيادة الخارج يمكن لمن يهتم بالأمر أن يعرف أعضاءها مع الوقت، كذلك أثار الانتباه أن بيان الحركة الذي صدر أمس وأعلن عن رئيس الحركة ونائبه لم يعلن أسماء وعدد كل أعضاء المكتب السياسي، الذي بالتأكيد منهم من القيادة العسكرية ومنهم من الضفة.
المهم أن مفتاح التحكم باللعبة داخل حركة حماس، هو محاولة إيجاد التوازن في العلاقة ما بين القيادتين السياسية والعسكرية، وما بين حليفي الحركة الأساسيين، أي قطر وتركيا من جهة وإيران من جهة أخرى، وإن كان الواضح أن الجناح العسكري هو الذي على العلاقة الوثيقة بإيران فيما الجناح السياسي على علاقة أوثق بتركيا وقطر، وهكذا تدير القيادة السياسية بعلاقتها الإقليمية تمويل جيش موظفيها الذين يحكمون غزة، فيما يؤمن الجناح العسكري احتياجاته من إيران.
بالطبع ليس هناك حليف يدفع لك من غير مقابل، لذا فإن مواقف الحركة السياسية تظل تضع باعتبارها مصالح حليفها، وكذلك مواقف الحركة العسكرية، تجاه إسرائيل تخضع بقدر ما لمواقف إيران الإقليمية، ولعل فاتورة العلاقات الإقليمية للحركة تظهر بشكل جلي وواضح فيما يخص ملف المصالحة وإنهاء الانقسام، كما قلنا ورددنا مراراً وتكراراً.
يبقى أن نشير إلى أن الحركة تحاول أن تظهر قدرا من الديمقراطية الداخلية، فيما كل هذه الإجراءات لا تتعدى كونها ترتيبات داخلية، فهي تعتمد نظام الشورى، وهو نظام غير ديمقراطي، من خلاله تحدد مراكز القوى المستويات القيادية، ولعل ابرز دليل هو أن علاقة الحركة ككل مع المجتمع الفلسطيني الذي تحكمه في قطاع غزة، كذلك علاقتها بالفصائل الأخرى، تؤكد شمولية الحركة ودكتاتوريتها وبعدها التام عن الحداثة وعن المجتمع المدني الحديث. فهي لا تجري أي انتخابات من أي نوع، بشكل شامل بين المواطنين، سواء في البلديات أو الجامعات أو المؤسسات أو النقابات العمالية والمهنية.
لكن وللحقيقة، نقول: إن الحركة تدير شأنها الداخلي وكذلك المجتمع الذي تسيطر عليه بنظام شمولي، وليس بنظام حكم الفرد، ولو كان مشعل مثلاً، قادراً على التحكم بالحركة بمفرده، لجعل من هنية مجرد محلل النظام الداخلي، كما فعل فلاديمير بوتين مثلاً، الذي بعد ولايتين دفع بديمتري ميدفيديف ليشغل منصب الرئيس الثالث لروسيا، فيما تولى هو رئاسة الوزراء قبل أن يعود لمنصب الرئيس مجدداً.
التحدي الرئيسي في قيادة الحركة يظل بين الخارج، ليس إقليم الخارج، بل المكتب السياسي، برئيسه الذي مجرد أن تولاه هنية، سرعان ما أقام في الخارج، وقيادة غزة، التي هي عمليا الواجهة السياسية للقسام والجناح العسكري، وحتى اللحظة، يمكن القول بأن قرار إنهاء الانقسام، كذلك قرار الحرب والسلم وتبادل الأسرى، كلها بيد الجناح العسكري، وبيد السنوار، فيما الخارج يحتاج إلى أن يجلب الأموال والرعاية أو الغطاء السياسي الخارجي ليبرر وجوده ويؤكد دوره، وربما كان وجود هنية على رأس المكتب السياسي، اقل حساسية من مشعل الذي لم يعرف غزة من قبل، فهنية يعرف تفاصيل غزة، لذا فإن الحركة ستبقى تسير على حبل مشدود إقليمياً وداخلياً، إلى أن يستجد أمر ما، أو حدث جلل، يخرج أحدهما من المعادلة، أو أن يخضع احدهما تماماً للآخر، لأنه يمكن القول حتى الآن بأن حماس ما زالت محكومة برأسين، وهي طوال الوقت تتبع سياسة الفصل في الصلاحيات بين الجناحين السياسي والعسكري، ولكن آثار هذه السياسة التي قد تنفع في مواجهة الاحتلال، لا تجدي في إدارة المجتمع، لذا تظهر في الإدارة العرفية العسكرية لغزة، بما يقدم نموذجاً سيئاً للحركة في الحكم وإدارة المجتمع.