حديث البدائل والخيارات.. الاردن.. ومصر
مقالات

حديث البدائل والخيارات.. الاردن.. ومصر

كلما اغلقت ابواب التسوية الفلسطينية الاسرائيلية باحكام، وكلما كثر الحديث عن احتمالات انهيار السلطة او حلها بحكم انها بلا سلطة كما يصفها القائمون عليها، وكلما انخفض الدعم الدولي الذي كان قويا زمن اوسلو، وكلما حدثت اشياء كثيرة تتصل بكل ما تقدم تزدهر في الشارع الفلسطيني احاديث عن خيارات وبدائل .

في الضفة كلام عن الخيار الاردني وفي غزة كلام عن الخيار المصري، ولقد انعش هذه الاحاديث تطوران هامتان ، الاول تطور الدور المصري في قطاع غزة من خلال امساك الدولة المصرية بكل الملفات المتعلقة بالقطاع وعلى نحو اقوى وافعل من ذي قبل، بدءا بالتهدئة مع اسرائيل ثم التوسط لانجاز صفقة التبادل مضافا الى ذلك الملف الاكثر الحاحا… اعادة الاعمار مع الملف التقليدي .. المصالحة.. الذي ان تراجع حتى من الذكر والذاكرة الا انه يظل في قبضة مصر اولا وأخيرا.

اما فيما يتصل بالضفة فقد كان للزيارة التي أداها الملك عبد الله بن الحسين لامريكا وما نتج عنها تأثيرا مباشرا على الرأي العام الفلسطيني ما اعاد الى النقاش ما كان يوصف قديما بالخيار الاردني، ذلك ان محادثات الملك مع بايدن لم تقتصر على العلاقات الثنائية والحاجة الى ترميمها بعد الشروخ العميقة التي انتجتها سياسة ترمب بل كان للشأن الفلسطيني مكانة اساسية في اللقاء سواء على الصعيد السياسي حيث لا يخفي الاردن قلقه من ضعف وتيرة الحركة في سياقه والمتصلة بضعف التوجه الامريكي نحوه ، ثم المجال الاقتصادي الذي كان ضعيفا بين الشقيقين قياسا لحجم وعمق العلاقات الطبيعية بينهما وبات ضروريا ان يتطور على نحو يضمن على الاقل عدم انهيار الاوضاع على الضفة الغربية من النهر .

العلاقة المصرية بقطاع غزة لا يمكن وصفها بالبديل او الخيار فلا مصر راغبة بأكثر من رؤية غزة الفلسطينية في حالة استقرار توفر عاملا ايجابيا في منظومة امنها القومي ، كان ذلك اساسيا في مرحلة الحرب مع اسرائيل وصار اساسيا اكثر في مرحلة الحرب على الارهاب في سيناء، فضلا عن ان غزة وفق الرؤية المصرية الشاملة للقضية الفلسطينية تظل مكونا جوهريا للدولة الفلسطينية المنشودة، لذا فإن مصر ستواصل تبنيها لهذا الخيار الفلسطيني، وقد تتفاوت الاسهامات المصرية المباشرة تجاه غزة الا ان ذلك لا يعني تغيرا في الرؤية والاهداف، فالامن القومي المصري بني على ان فلسطين وليس غزة وحدها هي ما يوفر هذا الامن ، كان ذلك منذ الازل وسيظل الى الازل.

اذا كانت فلسطين تجسد احد رئات الامن القومي للدولة الاقليمية العظمى مصر فهي بالنسبة للأردن كذلك واكثر ، واذا ما دققنا في السياسة الاردنية المعلنة والممارسة فعلا تجاه القضية الفلسطينية في هذا الوقت بالذات اي وقت الموت السريري للتسوية الفلسطينية الاسرائيلية فإن الاسلم والاجدى للدولة الاردنية وللنظام والمجتمع هو الاستقرار على الاساس الذي حدده الاردن من خلال فك الارتباط الذي وان اختلف عليه في حينه الا انه ظل قائما ومتكرسا وبنيت عليه سياسات وتشريعات وحتى استراتيجيات ، غير ان فك الارتباط لم يبلغ حد فك العلاقات الاساسية والتفصيلية وحتى المصيرية بين الشعبين ، اللذين يعيشان حياة مشتركة ومتداخلة على ضفتي النهر المقدس، لقد تشوشت هذه العلاقات وفي حالات كثيرة تضررت الا انها الان وجدت مسارات اكثر واقعية في مجال التعاون وتنسيق المصالح والاهداف .

يخدم الاردن ولادة دولة فلسطينية تقيم اوثق العلاقات معه ، ولا بد وان تتطور مستقبلا بارادة مشتركة وبصيغة وحدوية ليس الان وقت الحديث عنها ، ويخدم الفلسطينيين وجود دولة اردنية قوية مستقرة ومتينة البنيان الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ، كما يهم الاردنيين رؤية دولة فلسطينية يريدها الشعب الشقيق ويعتبرها هدفا مركزيا من اهداف نضاله الوطني ، من هنا فُهم وبمنطقه الصحيح الحاح العاهل الاردني في محادثاته مع الامريكيين على حل الدولتين ليس بمنطق التضامن والدعم للشعب الشقيق وانما كأساس استقرار ليس للاردن وفلسطين وحدهما وانما للشرق الاوسط باجماله.

غير ان حديثنا عن الاردن ومصر يظل بحاجة كي يكتمل موضوعيا بتركيز النظر على الجانب الاسرائيلي الذي ما يزال يواصل ابتعاده المدروس عن اي بعد سياسي سواء كان بمستوى ما تبقى من اوسلو او بما هو اكثر من ذلك وهذا يظل مثار قلق للمصريين والاردنيين ، وهذا ما يعلنه المسؤولون في البلدين في كل ساعة .

السؤال الذي ما يزال قائما الى أين ستتجه الامور في قادم الايام وهنا لا مناص من وضع النقاط على الحروف وملامسة الحقيقة حتى لو كانت مؤلمة فما دام الوضع الفلسطيني على حاله ولا لزوم للتذكير التفصيلي به وما دام الاسرائيليون يمارسون لعبة الوقت لاستكمال خطط السيطرة على الفلسطينيين وما دام الامريكيون يتعاملون مع الوضع بالقطعة ودون تأثير بأي مستوى على البرامج والخطط والسياسات الاسرائيلية ، ما دام الامر كذلك فليس بعيدا ولا مستحيلا ان يظل الاستعصاء قائما والى اجل غير مسمى.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.