إيران تتحدّى… من موقع ضعف
أن يختار الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي بدء ولايته باستقبال وفد حوثي برئاسة محمّد عبد السلام، يعطي فكرة عن توجّهات الرجل الذي اختاره «المرشد» علي خامنئي ليكون خليفة حسن روحاني. تريد إيران أن تتحدى الخارج في كل مكان. في اليمن وفي غير اليمن. لذلك، حرص رئيسي بعد ذلك على استقبال إسماعيل هنيّة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس التي أقامت إمارتها الإسلامية في غزة على الطريقة الطالبانية.
أزاح خامنئي كلّ من يستطيع الفوز على رئيسي في الانتخابات الرئاسيّة. وجد طريقة «قانونية» لمنع الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد ورئيس البرلمان السابق علي لاريجاني من الترشح. يمتلك خامنئي، الساعي قبل كلّ شيء إلى تأمين خلافته بالطريقة التي تناسبه، رؤية خاصة به إلى مستقبل إيران من زاوية استمرارها في مشروعها التوسعي الذي كانت له انطلاقة جديدة بعد الاحتلال الأميركي للعراق في ربيع العام 2003.
من يستهل عهده باستقبال وفد حوثي إنّما يريد توجيه رسالة واضحة ليس إلى المملكة العربية السعودية فحسب، بل إلى كلّ دول المنطقة والمجتمع الدولي أيضا. فحوى الرسالة، أن اليمن الذي يتحكم الحوثيون (أنصار الله) بجزء منه، ورقة إيرانية. أكثر من ذلك، تريد «الجمهورية الإسلامية» تأكيد أن لديها سيطرة كاملة على جماعة «أنصار الله» من جهة والاستمرار في سياسة ابتزاز المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي من جهة أخرى.
باختصار شديد، إن تصرفات إيران في ظل علي خامنئي لا تبشر بالخير. على العكس من ذلك، نشهد يوميا إصرارا إيرانيا على الدخول في مواجهة مع المجتمع الدولي دون أخذ في الاعتبار لعوامل عدة. في مقدّم هذه العوامل أن إيران لا تمتلك اقتصادا يسمح لها بدور القوّة المهيمنة إقليميا، بما في ذلك التحكم بحركة الملاحة في منطقة حيوية مثل بحر العرب.
عندما لا تستوعب إيران هذه المعادلة البسيطة يسهل على «المرشد» الذهاب بعيدا في تحدي دول المنطقة والعالم غير آبه بكل الضرر الذي لحق ببلده وبالشعوب الإيرانية التي تعاني من الفقر والتصحر. لا يدرك أن كل هذه التحديات تأتي من موقف ضعيف وليس من موقف قوي. لا تقتصر الأضرار الناجمة عن هذه التحديات على إيران وحدها بل تنسحب السياسة الإيرانية العوجاء المتبعة، أيضا، على بلدان مثل العراق وسورية ولبنان واليمن.
يبدو أن السؤال الذي سيطرح نفسه عاجلا أم آجلا متعلق بالثمن الذي سيدفعه العراق في ظل الإصرار الإيراني على نقل تجربة «الحرس الثوري» إليه. يحصل ذلك عن طريق تكريس وجود «الحشد الشعبي» كقوة مرادفة للجيش العراقي. ما تطرحه إيران في العراق وجود جيشين في بلد واحد. أحد هذين الجيشين تجمّع لميليشيات تدار من طهران. ما الذي ستكون نتيجة ذلك غير بقاء العراق في حال ميؤوس منها على الرغم من كل الجهود التي يبذلها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بدعم من رئيس الجمهورية برهم صالح من أجل قيام عراق متوازن، عراق على علاقة جيدة مع محيطه العربي… ومع إيران.
السؤال نفسه ينطبق على سورية. ماذا تفعل إيران في سورية عبر ميليشياتها؟ هل تعتقد أن في استطاعتها تغيير سورية، خصوصا التركيبة الديموغرافية للبلد؟ لا وجود لأيّ أفق للوجود الإيراني في سورية، مثلما لا أفق للوجود الإيراني في لبنان. حسنا، سيطرت إيران على لبنان عبر «حزب الله». تحوّل لبنان إلى دولة فاشلة لا أكثر بعدما صار فيه جيشان. صار لبنان دولة مفلسة في كل المجالات بعدما استطاع «حزب الله» أن يقرّر من هو رئيس الجمهورية فيه. أما بالنسبة إلى سورية، فإنّ إيران لا تدرك أن رهانها على النظام القائم يمثّل ذروة الإفلاس. هذا النظام صار مستهلكا. لعلّ روسيا أكثر من يدرك ذلك وهي تبحث عن طريقة للتفاهم مع الإدارة الأميركيّة في شأن مستقبل سورية التي لا يمكن أن تبقى طويلا تحت حكم نظام أقلّوي يراهن على أنّه سلّم الجولان إلى إسرائيل في العام 1967… ويعتقد أن ذلك ضمانة له!
في أوّل كلمة ألقاها الرئيس الإيراني الجديد بعد أداء اليمين، قال إبراهيم رئيسي ما معناه أن إيران مستمرة في التدخل في سورية وغزة. ليس معروفا ما دخل «الجمهورية الإسلامية» في سورية وغزة. المأساة السورية أمر واقع، كذلك مأساة غزة. ما الذي يمكن لإيران عمله في سورية أو غزّة؟ الجواب أن كل ما تستطيع عمله هو تعميق الأزمة السورية ومتابعة الاستمرار بالمتاجرة بغزة. تحتاج غزة إلى من يرفع الحصار عنها وليس عمل كلّ شيء من أجل تبرير الحصار.
تتحدى إيران العالم من موقع ضعف وليس من موقع قوة. لذلك تبدو خطورتها على المنطقة والعالم أكثر من أي وقت. في النهاية، ليس لدى إيران أي حلول لا للعراق ولا لسورية ولا للبنان ولا لليمن… ولا لقطاع غزة. ليس لدى إيران ما تصدّره إلى خارج حدودها غير أزماتها الداخلية التي هي في هرب مستمر منها.
كان عطش منطقة الأحواز التي انتفضت أخيرا في وجه النظام آخر دليل على مدى الفشل الإيراني في كلّ المجالات. هناك نظام يغيّر مجاري الأنهر دون إدراك أن ذلك يتسبب بعطش وجفاف يعاني منه الملايين من الإيرانيين. هل يكفي أن يكون أهل الأحواز من العرب كي يسهل حرمانهم من المياه؟
بعض التواضع ضروري بين حين وآخر. يعني التواضع قبل أيّ شيء مباشرة انسحاب إيران من حروبها التي تشنّها بالواسطة، أي عبر ميليشيات مذهبية، على العراق وسورية ولبنان واليمن التي باتت قاعدة صواريخ موجهة إلى السعودية ودول الخليج.
من الضروري في كل وقت تذكّر أن الصواريخ والقنابل النووية لم تنقذ الاتحاد السوفياتي من الانهيار. لماذا ستنقذ الصواريخ والبرنامج النووي إيران من انفجار داخلي لنظام ليس لديه ما يقدّمه لا للإيرانيين ولا لدول الجوار ولا للعالم؟