ما زالت هناك أشياء جميلة
الأسبوع الماضي خضتُ تجارب في محاولة للتأكيد أنه مازال لدينا أشياء جميلة، أشرتُ بغماز مركبتي صوب اليسار صوب مفرق اللبّن في محافظة نابلس متجهاً صوب جامعة الزيتونة للعلوم والتكنولوجيا في سلفيت، طريق اللبّن مثلها مثل بقية فلسطين، حيث معظم البيوت والمحلات على الشارع بالضبط بصورة تحجب إمكانية أي توسعة ولو نصف متر، وأُبلغت أن الشارع المؤدي من سلفيت إلى الجامعة لا يختلف حالاً بالمطلق.
وصلتُ جامعة الزيتونة والعمل جارٍ على تأهيل بوابتها ومدخلها الرئيسي بعمل لا يستغرق وقتاً طويلاً كما هو واضح، وسرنا على الأقدام صوب مباني الجامعة ونحن نواسي أنفسنا أن العودة نزولاً ستكون أسهل. في الردهة الرئيسية لمبنى الإدارة طاولات استقبال وأجهزة حاسوب وصبايا وشباب من مكتب التسجيل ومن العلاقات العامة في استقبال الطلبة وأولياء أمورهم لتقديم طلبات الالتحاق والاستفسار، والطلبة الافتراضيون يصغون باهتمام للشروحات والمتابعة على الشاشات والحواسيب عن تفاصيل الحلم.
في مكتب التسجيل والقبول قدم لنا المدير شرحاً مفصلاً عن الحلم وأشار صوب المباني وجمال الحديقة، موضحاً أننا نتربع على 133 دونماً ولدينا استاد رياضي، وتحضر موظفة العلاقات العامة لتتواصل مع إحدى المتفوقات التي حصلت على منحة كاملة حسب تدرج المنح في الجامعة التي تبدأ من معدل 90% وتنتهي لغاية 99.8% ويضاف إليها منحة 20% لأبناء موظفي القطاع العام، وواصلنا الاستماع والمقارنة.
توجهنا للقاء صديق قديم نائب رئيس الجامعة للشؤون الادارية والمالية، فباتت الصورة أوضح وأوضح، لأن الرجل خلفيته التخطيط وخصوصاً التربوي في القطاع الجامعي، ولعبته الأرقام وجعلها تنطق خططاً مستقبلية وتحديد الاحتياجات بناء عليها، وتلك مهارات ليست عادية في جامعة ناشئة، خصوصاً أن البداية مع التسجيل والقبول والعلاقات العامة ومن ثم الإدارة والمال. ولمسنا اهتماماً بكل من يدخل تلك البوابة وهو أمر بالغ الأهمية ويعبر عن بداية موفقة، رغم أن حفر مكان في التعليم العالي ليس أمراً سهلاً، بل هي مهمة بالغة التعقيد لتغير قناعة الناس أن الجامعات الخاصة لها مساحة ولها حصة وهي ليست جسماً غريباً أو مستحدثاً وتوجيه الاستثمار في التعليم أمر مهم، وكون الجامعة في محافظة سلفيت وتتوسط محافظة نابلس ومحافظة رام الله والبيرة وقربها من محافظة طولكرم يعطيها ميزة تنافسية، والمهارة كيف نجعلها جزءاً من المكان ومساهماً في الرؤية التنموية الشاملة والقطاعية.
الحقيبة المدرسية الخيرية ... مشروع أطلقناه في جمعية حماية المستهلك الفلسطيني، ولأننا نؤمن بالشراكة نظمنا شبكة مؤسسات شريكة ضمت نادي ثقافي البيرة، النادي الارثوذكسي رام الله، نادي شباب بدرس، جمعية سيدات بيتونيا، وتوكلنا على الله أن نجمع تبرعات وننطلق بناء على ما نحصل، وكان المشهد رائعاً ولقينا تجاوباً يدلل على أن الخير باق في الشعب الفلسطيني من قبل أصحاب مشاغل الحقائب المدرسية في نابلس والخليل (رنّت في أذني كلمة «عمل خير») فقلنا: يكفي هذا المبلغ، فقال: حاضر، تواصلنا مع شريك وقلنا له المبلغ وصل كذا هل بالامكان التبرع به؟ (أبشر يا رجل).
كبرت الحكاية وبتنا بحاجة لإسناد، فتواصل معنا رجال أعمال وتواصلنا نحن مع آخرين والجميع كان مسعفاً منقذاً (الدنيا لسه بخير) فشاركونا (مجموعة الاتصالات الفلسطينية، شقحة، بوظة الارز، زيوت بتروبال، شركة المشروبات الوطنية) وتواصل معن أفراد قائلين بدنا نساهم، ابتعنا الحقائب وبقينا على تواصل مع مشاغل الحقائب في نابلس ورام الله لكي يظلوا جاهزين.
قلت لعدد من الساسة ولآخرين من مؤسسات العمل الأهلي: الحقائب تصنع فرقاً في مواقع كثيرة، ليس لأنها مستحيلة بل لأن هناك من فكّر بهم وذهب اليهم، ليسوا لأنهم محتاجون أو غير قادرين بالمطلق، بل لأن هناك من قرع بابهم وذهب صوب مؤسسات شبابية ونسوية وقال لهم أنتم قرروا ما هي حاجتكم ولبّينا ضمن الامكانيات المتاحة المتواضعة، فالأمر ليس بحجمه ولا كميته بل بالرسالة التي تقف وراءه، نريد تمكين مؤسسات تلك القرية وتلك البلدة وهذه المؤسسة في المدينة لتعمل عملاً مختلفاً تماماً عما اعتادت عليه.
الجميل في الأمر اننا نعرف أننا لم نُعد اختراع العجلة ولم نقم بابتكار جديد، بل دفعنا العجلة لتدور وحركنا الرغبة بالابتكار وصنعنا شراكة دائمة مع عدد من المؤسسات لنصبح شركاء، وشاركنا مؤسسات في التوزيع بناء على الاولويات.
ذهبنا كبقية الشعب الفلسطيني صوب بيتا لتقديم واجب العزاء بالشهداء الذين توالوا هناك، التقليد الفلسطيني ان يكون مكبر الصوت جاهزاً في بيت العزاء للشهيد، ونحيّي السياسيين الذين يحضرون، ونطلب منهم كلمة بصفتهم ومراتبهم، الخطابات تحول (بيتا) الى نموذج وحكاية فلسطينية تروى، والناس تستمع وتفتخر.
قررت (بتواضع) أن أضرب على وتر آخر وقلت: في ضوء مكانة بيتا وبعدها النضالي وتتويجها نموذجاً للمقاومة الشعبية ما هي رؤيتكم التنموية لبيتا؟، طبعاً هذا سؤال مفاجئ بكل المعايير، فالتفكير ذاهب باتجاه الجرحى وحاجتهم لعكازات وكراسٍ متحركة، والشهداء وواجباتهم المستمرة، والأسرى وقضاياهم، فضربت على وتر جديد: ألستم بحاجة لحديقة عامة؟. وقلت لعل أحداً ما يجب أن يرسم الخارطة التنموية لبيتا تقديراً لمكانتها.