ماذا وراء تبييض صفحة "الشريك الطالباني"؟!
مهمة صعبة أمام كل من طالبان والمعسكر الغربي، صياغة صورة جديدة لنظام الحكم في كابول، يسمح لطالبان بممارسة عقائدها الدينية الأصولية في الداخل الأفغاني، في وقت تصاغ فيه رسالة للخارج تفيد بأنها قد تغيّرت وتجدّدت واستفادت من تجربتها في الحكم، صورة لرسالتين متعارضتين، حيث تقف مسألة العلاقة مع القوى الإرهابية الأخرى على الساحة الأفغانية وتحديداً «داعش خراسان» و»القاعدة «والموقف الموحد بين طالبان والمعسكر الغربي في هذه الصورة التي يتم تصديرها على أساس أنّ طالبان في وضعٍ عدائي متحدٍ لـ»داعش خراسان»، ويلاحظ في سياق هذه الصورة أنّ وسائل الإعلام الغربية، نشطت في الآونة الأخيرة لنشر تقارير صحافية مستمدة مما قالت إنها تقارير وأبحاث أمنية تصب باتجاه المبالغة في تعظيم حالة العداء المستحكم بين طالبان و»داعش خراسان» في تلميع واضح يخدم التوجهات المحتملة لتبييض صورة طالبان في سياق الحديث عن مصالح مشتركة بين طالبان والمعسكر الغربي.
صورة صغيرة في قلب الصورة الأكبر، طالبان توفّر الدعم الأمني لإجلاء الأميركيين والمتعاونين، بانتقال طالبان من العدو إلى الشريك حسب الكاتب في «واشنطن بوست» ديفيد أغناتيوس الذي سخر من اجتماع ويليام بيرنز رئيس وكالة المخابرات المركزية مع زعيم طالبان الملا برادر في كابول وتسلّم هذا الأخير رسالة شخصية من الرئيس بايدن، إذاً، جوهر صورة طالبان الجديدة التي يجهد الغرب على رسمها من أنّ طالبان قد تغيرت وأكثر من ذلك بأنها باتت حقيقة راسخة ويجب التعامل معها في صورة مزيفة لتبرر علاقات الشراكة القادمة.
يدّعي المعسكر الغربي في محاولته هذه لرسم صورة زاهية لطالبان أنها مجرد حركة قومية محلية لا تهدف إلى التوسع والامتداد إلى خارج حدود أفغانستان على عكس قوى الإرهاب الأخرى المتمثلة بـ»داعش والقاعدة»، وحسب المعسكر الغربي فإن الشراكة معها تنطلق من الإصرار في ضوء هذه الشراكة على أن تضمن طالبان عدم استخدام الأراضي الأفغانية لانطلاق قوى الإرهاب هذه أو تسمح لها بمواقع للتدريب والتزوّد بالسلاح إلا إذا كان ذلك أو يجب أن يكون ذلك باتجاه زعزعة الأمن الداخلي لدول الجوار خاصة كلا من الصين وروسيا، وهو هدف بات من الواضح أنه من خلف أسباب الانسحاب الأميركي من أفغانستان.
لكن ليس الغرب وحده الذي يحاول أن يزيف صورة جديدة لطالبان، فهذه الأخيرة أيضاً بدأت برسم صورة جديدة لنفسها بادعاء أنها تعلّمت من تجربتها السابقة وأنها أصبحت أكثر مرونة فيما يتعلّق بالمسلمات الأصولية وذلك طلباً لاعتراف دولي وتسهيلا على المعسكر الغربي لإقناع الرأي العام لديه بأن الصورة المتغيرة لطالبان كافية لتبرير الشراكة معها.
هذه الشراكة من شأنها تحييد قوى الإرهاب (داعش خراسان والقاعدة) عن العمل ضد المعسكر الغربي من جهة، وتشجيع هذه القوى للانصراف كي تتوسّع على خريطة خراسان والتمدد على هذه الساحة ومنها بعيداً عن المعسكر الغربي وأكثر قرباً من محيط أفغانستان خاصة الصين وروسيا.
تدرك طالبان أنّ ما يهم الغرب ليس سياستها الداخلية المتعلقة بحقوق الإنسان، فهذا المعسكر يغمض عينيه عند الضرورة إذا ما توفرت لديه مصالح مع أنظمة ودول استبدادية وقمعية كما هي علاقته مع قوى الاستبداد والقمع في المنطقة العربية وأميركا اللاتينية.