"كورونا" يتحوّر.. هل من دول متحوّرة؟
مقالات

"كورونا" يتحوّر.. هل من دول متحوّرة؟

حتى هذه اللحظة لم يتعافَ العالم من تأثيرات "كوفيد - 19" الذي يفرخ يوماً بعد يوم طفرات وسلالات جديدة تجعل من معركة مكافحته مسألة في منتهى الصعوبة، خصوصاً حينما يتعلق الأمر بالفوارق الكبيرة بين الدول المتطورة المنتجة للقاحات والدول الفقيرة المستقبلة لها.
الحديث في منظمة الصحة العالمية يدور عن وجود خمس سلالات متحورة هي: ألفا وبيتا وجاما ودلتا ومو، وتنظر المنظمة الدولية بقلق إلى المتحورين الأخيرين، على اعتبار أن المتحور دلتا الذي انتشر لأول مرة في الهند وتوسع بين 170 دولة خطير وشديد العدوى، وكذلك متحور مو الذي ظهر حديثاً في كولومبيا وتجري دراسته حالياً لمعرفة تأثيراته الصحية.
العالم يشهد الآن معركة مفتوحة مع هذه الفيروسات التي تتطور وتتحور وتجد طريقاً للمقاومة في جسم الإنسان، حيث مكمن القلق لا يتعلق فقط بهذه المتحورات التي تؤثر على الجهاز المناعي للأفراد، بقدر الخوف من ظهور سلالات جديدة قادرة على اختراق تحصينات اللقاحات.
المشكلة لم تعد تتعلق بوضع حد لفيروس "كورونا" وتفريعاته، لأن الأمر يحتاج إلى وقت طويل للحديث عن انتصار البشرية على هذه الفيروسات في خضم فوارق الدخل بين الدول والتمايز الطبقي بين المجتمعات داخلها، وهذا من شأنه أن يعيق الجهود المتواصلة للحد من انتشار الفيروس.
أقل من ثلث العالم بقليل حصلوا على الجرعتين الأولى والثانية من اللقاحات المتوفرة حالياً، بنسبة 27.3% من تعداد سكان العالم حسب الإحصائيات الدولية.
وعلى الرغم من تبرع الدول الغنية باللقاحات الفائضة عندها إلى الدول الفقيرة، إلا أن الفوارق كبيرة جداً بين الجرعات لكل 100 نسمة في الدول الغنية والفقيرة، حيث تصل في الأولى حوالى 97 جرعة لكل 100 نسمة، بينما في الثانية 1.6 جرعة لكل مائة شخص.
مكتوب على الدول الفقيرة أن تعاني وتكابد الأمرين في معركتها مع الفيروسات الأخيرة، لأن مناعة القطيع لن تتحقق إذا لم يتمكن 80% من السكان في هذه الدول من الحصول على الجرعتين من اللقاح، وهذا لم يحدث حتى هذه اللحظة وهناك حاجة إلى المزيد من الوقت للوصول إلى هذه النسبة.
الطامة الثانية تتعلق بالأنظمة الصحية المتهالكة والبسيطة لدى هذه الدول، خصوصاً أن النقاش بدأ يرتفع في أروقة منظمة الصحة العالمية والمؤسسات الدولية الصحية حول أولوية إعادة بناء الأنظمة الصحية بشكل يسمح بالتعامل الفوري والاستجابة لأي طارئ صحي على شاكلة "كورونا" وتفريعاته.
يتزامن مع كل هذا موضوع مهم جداً يتعلق بالجهاز المناعي لدى الأفراد المرتبط بأسلوب وجودة الحياة التي يتفرع منها الجو السياسي والعامل الاقتصادي ومتوسط دخل الفرد وقدرته الشرائية ومدى توفر الحصص الغذائية الملائمة لتحصين مناعته، وهذا مع الأسف يعتبر الحديث عنه رفاهية بين الطبقات المتوسطة ومحدودي الدخل ومن هم تحت خطر الفقر في الدول الفقيرة والنامية.
ما يحصل حالياً في العالم من ارتفاع معدلات الإصابة بالطفرات الفيروسية يترجم سياسة التراخي التي يتخذها بعض البلدان بشأن رفع وتخفيف التدابير الاحترازية التي سبق أن وضعتها للحد من انتشار الفيروسات، ولا يمكن الحديث عن العودة الطبيعية للحياة كما كانت قبل بداية ظهور "كورونا" أوائل 2020 دون تحصين العالم بالجرعتين الأولى والثانية بنسبة تتجاوز الثلثين من التعداد السكاني على مستوى العالم.  
كذلك تنبغي إعادة النظر في موضوع دعم الأنظمة الصحية لدى جميع الدول وحتى المتقدمة أيضاً، كونها أول من عانى من الانتشار الواسع لعدد المصابين بفيروس "كورونا"، وفي المقابل تحتاج الدول الفقيرة إلى اتخاذ إجراءات سريعة لتعزيز أنظمتها الصحية حتى تكون قادرة على التعافي الاقتصادي الذي يضعها مرة أخرى على طريق تحريك عجلة التنمية.
فقط تحتاج هذه الدول مثلاً إلى تخصيص أموال لتطوير القطاعات الصحية من الميزانيات الضخمة على الإنفاق الدفاعي والأمني، وكذلك تحتاج إلى تخصيص صناديق لتمويل الأبحاث المرتبطة بعلم الفيروسات والأمراض المعدية، وأيضاً تنمية رأس المال البشري والاستثمار في المواهب وأصحاب العقول وتقديم الفرص لهم وتوفير البيئة الجاذبة التي تضمن بقاءهم في بلدهم.  
الخلاصة أن "كورونا" ليس أول ولا آخر الفيروسات، فهو يتطور ويأخذ أشكالاً مختلفة لمحاربة مناعة الإنسان وكافة المستقبلات الدفاعية، واللقاحات لم تأتِ من فراغ، وإنما هي خلاصة جهود بحثية وخبرات علمية متراكمة عبر الزمن، ترجمها علماء مقدرون في دولهم التي استثمرت فيهم وسخرت كل إمكاناتها من أجل التطور.  
تحتاج الدول الفقيرة إلى إعادة صياغة برامجها لجهة الفكاك التدريجي من التبعية للدول الغنية.
أمثلة كثيرة لدول غاصت في الجهل والتخلف والآن تتربع على عرش الدول المتطورة. الصين وكوريا الجنوبية نموذج لهذه الدول، ومفتاح الحل يبدأ باحترام العقل البشري وإطلاق طاقاته والاستثمار فيه وتقدير إبداعاته دون عوائق مصطنعة.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر وكالة صدى نيوز.