الطائفية السياسية والحروب المقدسة ...!!!
إن الحروب المقدسة عبر التاريخ قد جرّت على البشرية الويلات، والمآسي، والخراب، والدمار، كل ذلك كان منبعه توظيف المقدس من دين أو مذهب او طائفية سياسية في الصراعات الخارجية، أو البينية، بهدف التغطية على محركات الصراع الخفية والحقيقية، لقد دفعت الشعوب على إختلافها عبر التاريخ أثمان باهظة لتلك الصراعات التي تلحفت بالدين أو الطائفة أو المذهب أو المقدس، في حين أن حقائق الصراعات عبر التاريخ داخلية أو خارجية سببها التدافع البشري الذي فطر عليه الإنسان على أساس المصالح والإستحواذ على المنافع والسلطان والنفوذ كغريزة بشرية، ولكن إستخدام المقدس في الصراعات كان يجري للتحشيد والتجييش لتلك الصراعات، وغالباً ما يكون بسطاء المؤمنين بذلك المقدس، مادة أساسية لهذا التحشيد والتجييش وزجهم في أتون الصراعات كوقود رخيص يهلك فيه ألوف وملايين البشر، هذا ما حصل في أوروبا القرون الوسطى، وكذلك في الحربين العالميتين الأولى والثانية.
إن تطور الوعي الجمعي لمجتمع ما ، لابد أن يضعف إمكانية إستخدام المقدس من دين وغيره في الصراعات الداخلية أو الخارجية، لذلك نجد أن المجتمعات الأكثر تخلفاً تدب فيها الصراعات الطائفية والمذهبية، والتي تكتسي طابعاً مقدساً يلهب مشاعر المتحاربين، ويوفر الوقود لإدامتها لأطول وقت ممكن، ولكن مع تطور الوعي الجمعي بالمصالح الحقيقية للمجتمع وطبقاته وفِئآته المختلفة وتطور مفهوم المصالح العامة والمصالح الوطنية و القومية، تراجع دور الدين أو الطائفة و المقدس في تلك الصراعات، إلى أن جرى اعادة صياغة العلاقات الداخلية البينية على أساس من التوازن بين المصالح الفردية و الفئوية والمصالح العامة، وتم بناء الدولة القومية الحديثة على اسس قانونية تكفل الحرية والمساواة لجميع افراد المجتمع بغض النظر عن الفئة والطائفة او الجنس والدين ، بعيداً عن مفاهيم القدسية التي صبغت نموذج الدولة وصراعاتها الداخلية والخارجية في القرون الوسطى ما قبل قيام الدولة القومية الحديثة.
اليوم ما تعانيه بعض الدول العربية من صراعات داخلية دامية فجرها (الربيع العربي) ، وأخذ الإصطفاف فيها يجري على أسس دينية أو طائفية و مذهبية ومناطقية ، تضفي عليها طابع من القداسة يجذب إليه بسطاء المؤمنين بالدين أو بالطائفة أو المذهب، ليخفي حقيقة الصراع الدائر واهدافه ما بين النخب المتصارعة على السلطة والنفوذ والإستحواذ على المصالح، ما أدى إلى فشل أو سقوط الدولة الجامعة الواحدة أوما سيؤدي إلى فشلها وسقوطها ....
هكذا تستمر مسيرة الحروب الداخلية بإسم الدين أو الطائفة أو المذهب، ويتواصل معها تأجيج المشاعر الطائفية والمذهبية التي تأتي على ما تبقى من بقايا الدولة ومؤسساتها، و يُخضَعُ ويُحكمُ المجتمعُ في هذه الحالة بشريعة الغاب من قبل امراء الحرب واطوائف ، كل فرد فيه أو جماعة تجد نفسها في حرب مع الجميع، إنها المأساة الكبرى بعينها أن تبقى دول وشعوب عربية تئن تحت وطأة هذه الحروب والصراعات الداخلية والخارجية ، لا شك في أن الثورة الإيرانية ومن ثمَ جمهورية إيران الإسلامية ، قد إستخدمت الطائفية السياسية الشيعية ، وأججت نارها في المنطقة العربية والإسلامية ، لتحقيق أغراضها في التمدد والنفوذ... وقد تناغم معها بعض القوى السياسية السنية في تأجيج الطائفية السنية ، كي تكتمل دفتي الرحى لهذا الصراع المشؤوم الذي لن يقود سوى إلى مزيد من الدمار والدماء والخراب، والتقسيم والتفتيت لنسيج هذه الدول والمجتمعات المتساكنة منذ أكثر من أربعة عشر قرناً في المنطقة ، كشعوب موحدة في دول كانت آمنة ومستقرة ...
إذا لم تَكُفْ هذه القوى المتصارعة عن إستخدام المقدس من دين أو طائفة أو مذهب فإن النهاية السوداوية هي التي ستحكم نتيجة هذه الصراعات، وإن الشعوب والدول هي التي ستدفع الثمن المدمر لمستقبلها.
لقد آن الأوان لصوت العقل أن يعلو على هذه الغرائزية الطائفية في كل المجتمعات العربية والمسلمة ، لوضع حد لهذا الإستخدام المدمر للدين وللطائفة وللمقدس، وسد الطريق امام الذرائعية الفارسية الشيعية والطائفية السياسية في هذا الشأن، والعمل على إستعادة وحدة الدول والمجتمعات العربية والإسلامية ، وتأسيس دولة القانون التي تقوم فيها العلاقة بين الفرد والدولة على أساس المواطنة لا على أساس الدين أو المذهب أو الطائفة، إن المستفيد من هذه الحالة المتردية في عالمنا الإسلامي فقط هو الكيان الصهيوني الذي يسعى لإنتزاع الإعتراف به من دول المنطقة و بكيانه كونه (الكيان الخاص باليهود) في الشرق الأوسط وفي المنطقة العربية الإسلامية ، ويسعى الى تديين الصراعات في المنطقة ، واعادة تشكيل دولها وكياناتها على اسس دينية ومذهبية وطائفية ، كي يبدو هو وكأنه جزءا من تكوين المنطقة المبني على اسس طائفية ودينية ، وتُمكن له في هذة الحالة الدخول في صراعاتها وتحالفاتها ومحاورها ، ويكون الأكثر تطورا وقوة بينها ، مما يمكنه من السيطرة عليها وقيادتها ، وبذلك تتحقق له اهدافه وغاياته العنصرية والتوسعية في مَدِّ نفوذه على عموم المنطقة العربية ...
آن للعقلِ الجَمعي الوطني العربي ان يصحو من غفوته ، وان يحافظَ على نسيج مجتمعاته وصيانتها ، وتصليب وحدتها الوطنية والقومية والمجتمعية ، وأن يسعى لاسترداد متانته وقوته المفقودة امام هذة التحديات والصراعات ، التي باتت تعصف به وبوحدته و وحدة مؤسساته و وحدة دوله ، قبل أن تفشل هذة الدول وتسقط تباعا ، والأمثلة ما ثلة في اكثر من قطر واكثر من دولة .