عن سلاح "المسخرة" أتحدث!
ما أن أطلّت شمس السادس من أيلول/سبتمبر الحالي، حتى شاع الأمر، وبدأت وسائل الإعلام الصهيونية تتناقل عواجل الأخبار عن حدث أمني في محيط تلة جلبوع، الواقعة في قضاء بيسان، وتحديداً في السجن المعروف بـ«الخزنة» لصرامة الإجراءات الأمنية والموانع التقنية الموجودة فيه.
لكن حدث «الخزنة» لم يكن عادياً، ففيه نجحت معلقة صغيرة وستة رجال أشداء من تأمين فرارهم، وانتزاعهم لحريتهم، في عملية أمنية سطّحت كل المنظومة الأمنية الإسرائيلية، ليس داخل السجن فحسب، وإنما خارجه أيضاً.
ومع إزاحة الستار عن تفاصيل العملية النوعية، انطلقت حفلة المسخرة الإسرائيلية عبر المغردين والناشطين، ممن أطلقوا نصال سهامهم، ورؤوس أقلامهم، وألوان ريشاتهم، وقباحة نصوصهم، تجاه المنظومة الأمنية الإسرائيلية.
فلم يكتف ِ هؤلاء برسوماتهم الكاريكاتيرية الاستهزائية فحسب، وإنما بدأ البعض بتمثيل اسكتشات كوميدية جارحة، نالت من كرامة جيش الاحتلال، وهشاشة منظومته، وركاكة إجراءاته، وادعائه منذ ستينيات القرن الماضي بأنه ذاك الجيش الذي «لا يهزم».
وقد زاد تعدد وسائل الإعلام الاجتماعي، واختلاف المشارب السياسية، في تعميق وتصعيد الهجوم الكوميدي وتفعيل سلاح «المسخرة».
سلاح فتاك استطاع بقفشاته وتقليعاته أن يحول مشهد الفرار الفلسطيني إلى نكتة دوارة طالت منظومات الأمن والجيش والحكومة.
ففي مربع الحكومة، رأينا رئيسها نفتالي بينيت يرفع يديه في رسم كاريكاتيري، ليعلن أن حفر النفق الذي قيل إنه استغرق عاماً كاملاً على أقل تقدير، لم يتم في عهده بل في عهد غريمه، رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو.
وفي مربع الجيش، رأينا ضابطاً يشتكي من أن النفق لم يُحفر أسفل السجن، بل في كرامة ووجدان الجيش الصهيوني، الذي قيل إنه الأقوى في الشرق الأوسط. ورأينا جنرالاً آخر يجلس في حالة ضيقٍ وانزعاج أمام حفرة النفق وقد وضع كفه على رأسه، بينما تبدو على ظهره دارة كهربائية متقدمة، وقد فلتت معالجاتها وقطعها الإلكترونية في دلال على دمار التكنولوجيا أمام إرادة الفرار.
وفي مربع الأمن، يجلس حارس السجن محاطاً بمجموعة من الشرطة الإسرائيلية ومحملقاً في الحفرة الخارجية، بينما تخرج من تلك الحفرة يد تشير إلى حركة «محظورة» تدلل على قهر تلك المنظومة .
أما الكوميديا الإسرائيلية فقد انتجت فيلماً لممثل ينادي في منطقة حرجية ومعه سيدة محجّبة، على زكريا زبيدي عضو المجلس الثوري لحركة فتح، الذي يقف على رأس المجموعة التي انتزعت حريتها، داعياً إياه كي يخرج من مخبئه.
سلاح «المسخرة» هذا الذي هو نتاج حالة هستيرية تسود دولة الاحتلال، جاء ليقول ضمناً: إن المنظومة الأمنية القائمة ما هي إلا نمر من ورق، كونها سقطت أمام امتحان الفرار.
ومع استطالة أمد الفرار سيستمر الهجوم الكاسح من قبل الناشطين الإسرائيليين ليعبّروا عن ضيقهم من الادعاءات بأن جيشهم المسمى بجيش «الدفاع» الذي يمتلك أحدث الأسلحة والتقنيات، لن ينجح في كبح أقوى سلاح يمتلكه شعب محتل، ألا وهو الإرادة!
أما النفق الذي حفره السجناء الأحرار الستة في ضمير البشرية، فسيبقى حقيقة ماثلة أمام الجميع، كيف لا وهو النفق ذاته الذي رأه الراحل ياسر عرفات وقد انبثق في آخره نور حرية الشعب الفلسطيني واستقلاله، فهل تتعظ البشرية؟ أم تكون «المسخرة» السلاح الأمضى في إقناع المحتل بحتمية الخلاص والحرية؟!