رفض رسمي إسرائيلي للحل السياسي
بشكل لافت توالت تصريحات المسؤولين الإسرائيليين الرافضة للحل السياسي مع الجانب الفلسطيني، فبعد أن تولى المهمة بشكل هادئ، منذ وقت وزير الخارجية، يائير لابيد، الذي طالما قال إن الظروف غير مواتية لإطلاق العملية السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وصولا لتقديمه خطة بديلة عن الحل السياسي، قائمة على معادلة «الاقتصاد مقابل الأمن» ومجالها قطاع غزة بالتحديد، وبعد أن أرفق رئيس الحكومة نفتالي بينيت زيارته إلى شرم الشيخ، وهي الأولى لرئيس حكومة إسرائيلي لمصر منذ عشر سنوات، برفضه إقامة الدولة الفلسطينية، جاء الدور على أحد شركاء الحكم، والذي ظل صامتا في هذا المجال بالتحديد، وهو أفيغدور ليبرمان، الذي قال باستحالة التوصل لحل مع الرئيس محمود عباس بالتحديد.
ثم اختتمت الجوقة تطبيلها بحديث بيني غانتس أول من أمس مع مجلة «فورين بوليسي» الأميركية، الذي قال فيه إنه لا يوجد احتمال لإجراء مفاوضات حقيقية، مرجعا الأمر لوجود الانقسام الداخلي الفلسطيني، واقترب كثيرا غانتس من بينيت بقوله إن إسرائيل لن تخلي المستوطنات.
يبدو قبل كل شيء، أن هذه التصريحات المتتالية لكبار مسؤولي الحكومة الإسرائيلية، تهدف لتحقيق أكثر من هدف، فهي تسعى لإظهار أن الحكومة متماسكة، وأنها في الملف السياسي بالتحديد، وبالرغم من التباينات حوله بين أحزابها، متفقة فيما يخص الملف الفلسطيني بالتحديد، وذلك بمناسبة مرور مائة يوم على تشكيلها، حتى تقنع المعارضة، بأنها باقية، وأنها لن تسقط، بناء على مراهنة المعارضة، بأن يحدث ذلك في حال نجح الضغط الفلسطيني والإقليمي العربي، بفتح هذا الباب، وثانيا، هو يسعى لصد هجوم السلام الذي أطلقه المثلث العربي المكون من فلسطين - مصر - الأردن، وذلك بالترافق مع لقاء بينيت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في شرم الشيخ قبل أيام، في محاولة لإحباط ما يشاع عن وجود مبادرة مصرية بالخصوص.
ثالثا، بالنظر إلى التوقيت، فإن الحكومة التي بدت مهزوزة أمنيا بعد الاختراق الأمني الذي أحدثه تحرير ستة سجناء فلسطينيين أنفسهم من أعتى سجون إسرائيل الأمنية، رغم نجاح إسرائيل الجزئي بإعادة القبض على أربعة منهم، لكن نجاح السجناء بحد ذاته، أظهر أنه يمكن أن تلحق الهزيمة بإسرائيل في نواتها الأمنية الصلبة، لذا فإنها لن تكون قادرة على الرد الإيجابي على المبادرة المصرية، حتى لا تظهر أنها قد هزمت سياسيا أيضا وليس امنيا فقط.
رابعا، يتزامن التوافق الحكومي في التشدد برفض إطلاق العملية السياسية مع الجانب الفلسطيني بتراجع الموقف الإسرائيلي تجاه الملف الإيراني، حيث ظهرت لأول مرة تصريحات إسرائيلية تقول باحتمال قبول إسرائيل العودة للاتفاقية حول برنامج إيران النووي مع تعديله، ثم خامسا وقد يبدو هذا هو الأهم، من بين كل الأسباب، هو أن كل تلك التصريحات هي رسالة لحماس، مفادها تشجيعها على الانخراط في مباحثات تهدئة طويلة الأمد، وهي جوهر خطة لابيد التي أعلن عن خطوطها العريضة قبل أيام في مؤتمر «هرتسليا»، وقال إن كلا من نفتالي بينيت وبيني غانتس موافقان عليها، بل إن بينيت نفسه أعلن في لقائه مع القناة 12 العبرية، أن وزير أمنه غانتس يعمل على تهدئة طويلة الأمد مع حماس.
والملاحظ أن المسؤولين الإسرائيليين يجمعون على عدم فتح باب التفاوض في عهد الرئيس محمود عباس، ومثل هذا الكلام قالوه من قبل أيام الرئيس الراحل ياسر عرفات، أي أنهم يظنون أنه يمكن إبقاء واقع الحال، على ما هو عليه، وأن الرشوة المالية أو الاقتصادية، إن كانت في الضفة الغربية أو حتى في غزة، يمكن أن تفتح لأوهامهم الطريق، وهم يراهنون على أن غياب الرئيس عباس، في الوقت الذي يمكن فيه أن يضعف البرنامج الوطني الذي يطالبهم بالانسحاب إلى حدود 67 وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، بعاصمتها القدس الشرقية، وذلك من خلال أولا صراع يمكن أن ينشأ على السلطة في الضفة الغربية، بين العديد من القوى والفصائل السياسية، فإن الغياب الشخصي للرئيس عباس، في ظل عدم سماحهم بإجراء انتخابات رئاسية بالأساس، لما تحمله من توحيد العنوان السياسي، رغم الانقسام على الأرض، سيكرس الانقسام، وسيهوي بالشرعية الفلسطينية، حيث يمكن حينها التفاوض مع حماس حول غزة.
حقيقة الأمر أن الإسرائيليين قد شعروا بأنه عاجلا أو آجلا لا بد من إجراء مفاوضات تضع حدا لأطول احتلال خارجي، خاصة في أجواء انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان بعد 20 عاما من احتلالها، لذا هم يقومون بالحملة المضادة، لإجهاض المطالبة العربية - كما أشرنا - ولاحقا التحرك الدولي، الذي قد يبدأ بمجرد الانتهاء من الملف الإيراني.
كذلك يبدو أن إسرائيل تدرك أنه لن يكون بمقدورها تأجيل فتح القنصلية الأميركية في القدس، إلى ما لا نهاية، فقد سبق وأعلنت واشنطن رسميا عن هذا الأمر، لذا فهي تريد أن تقبض الثمن مسبقا، أو أن تعوض في مجال آخر، ما خسرته أمام واشنطن، إن كان في الملف الإيراني، أو فيما يخص فتح القنصلية.
حقيقة الأمر، أن هجوم السلام السياسي لا يكفي دون رافعة ميدانية، فلا بد من إطلاق المقاومة الشعبية، في الضفة الغربية، بعد أن حققت المقاومة الشعبية الموضعية في بيتا وجبل صبيح، كذلك في كل ما تعلق بملفات طرد السكان من حي الشيخ جراح، وبطن الهوى، إلى ما هنالك، من انتصارات، رغم أن إسرائيل خلال الأشهر القليلة الماضية، أطلقت المستوطنين وفتحت أبواب الحرب الميدانية لمواجهة احتمال الجلوس على طاولة التفاوض، ليكون هناك أمر واقع يمنعها من الانسحاب لحدود 67، وبعد أن فشلت في هذا، لم تجد بدا من إعلان رفض التفاوض، والتبشير بعدم إمكانية التوصل للحل السياسي خلال السنوات القادمة.
ولأن الأمر ليس منوطا برغبة إسرائيل، نقول إن الكرة الآن في الملعب الفلسطيني، الذي عليه أن يواصل المقاومة بكل أشكالها، الشعبية خاصة، لفرض ما لا تريده إسرائيل عليها بالإكراه، ذلك أن إقامة الدولة الفلسطينية، بالرغبة أو الإرادة الإسرائيلية سيعني أن الحديث يدور عن دولة مشوهة، أما الدولة الفلسطينية الحرة والحقيقية فهي التي تنتزع من إسرائيل انتزاعا، وتقام في ظل إكراهها وإجبارها على ذلك.