ماذا لو كان لك حق التصويت في الانتخابات الألمانية؟
رغبتنا بالمشاركة في مأسسة نظام سياسي ديمقراطي تجعلنا تواقين للاطلاع على الأنظمة الديمقراطية حول العالم، وفي هذه الأيام يتناول الإعلام عن كثب تفاعلات القوى السياسية الألمانية تحضيراً للانتخابات البرلمانية المنوي عقدها في السادس والعشرين من الشهر الجاري، وتأتي أهمية هذه الانتخابات في ظل حالة من التنافس الشديد بين القوى السياسية لاختيار من يخلف المستشارة أنجيلا ميركل.
وتتنافس الأحزاب الألمانية على كسب أغلبية أصوات الناخبين حتى تتمكن من بناء التحالفات القادرة على تشكيل الحكومة الفدرالية لإدارة الدولة الألمانية. يصل عدد من يحق لهم التصويت في الانتخابات البرلمانية لهذا العام حوالى 60.4 مليون مواطن، مسجلاً انخفاضاً بحوالى 1.3 مليون عما كان عليه الحال خلال الانتخابات البرلمانية السابقة، حيث إن أكثر من نصفهم تجاوز عمر الـ50 عاماً.
تواجه ألمانيا تحدياً جدياً يتعلق بمجتمعها المُعمر، حيث ما زالت تشهد تزايداً في أعداد الوفيات على حساب أعداد المواليد الجدد، ويزداد تضخم التوزيع السكاني للفئة العمرية ما بين 50 و 75 عاماً. بينما تحاول ألمانيا الحفاظ على استقرارها المجتمعي من خلال المهاجرين إلا أن غالبيتهم لا يحق لهم التصويت في هذه الانتخابات ما تستمر حالة انخفاض وعدم استقرار أعداد من يحق لهم التصويت في الانتخابات.
ويختلف سلوك الناخبين من كبار السن أنهم لا يغيرون انتماءاتهم الحزبية بسهولة، فعادة ما يصوتون للأحزاب التقليدية الكبيرة التي أيدوها خلال فترة شبابهم، ما يحافظ على هيمنة هذه الأحزاب على إدارة السياسة الألمانية، وينعكس سلوكهم الفردي على قرارهم بالتصويت إذ عادة ما يتجنب كبار السن التوجه إلى تغيير راديكالي لا يعرفون نتائجه اللاحقة ويفضلون حالة الاستقرار الحالية.
وهذا ما يفسر صعوبة تشكيل قوى سياسية جديدة كما هو الحال لدى مثيلاتها من الديمقراطيات الغربية.
ليس عامل العمر وحده هو من يحدد خيارات الناخبين الألمان، فقد يحدد اختيارك أيضاً طبقتك الاجتماعية أو مكان سكنك أو حتى جنسك، فما زالت الفروق بين ألمانيا الشرقية والغربية قائمة حتى بعد ثلاثين عاماً من إعادة الوحدة، ورغم الجهد الحثيث الذي أولته الحكومات المتعاقبة والمؤسسات الألمانية لجسر الفجوات بين الشرق والغرب من خلال الاستثمار في البنية التحتية وتطوير المرافق وبناء اقتصاد محلي قوي في شرق ألمانيا، إلا أن بنيتها الاجتماعية بقيت جامدة لعدم مرورها بمرحلة مجتمع التصنيع كنظيرتها في ألمانيا الغربية.
ويتوزع أغلب أصوات سكان ما يعرف بالولايات الألمانية الجديدة في ألمانيا الشرقية بين حزب اليسار المتشدد والحزب الشعبوي «البديل من أجل ألمانيا»، ويرجع تفسير هذا الاستقطاب الحاد والمتناقض إلى أن سكان هذه المناطق غالبيهم من الطبقة العاملة والأقل في مستوى الدخل والتعليم نسبياً مقارنة بسكان ولايات الغرب الألماني. بينما يتوجه أغلب الناخبين من الفئات التي يتجاوز دخلها متوسط الدخل العام في ألمانيا للتصويت لكل من الاتحاد المسيحي الديمقراطي (CDU) والاتحاد المسيحي الاجتماعي (CSU)، وحزب الخضر، ويستحوذ الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) على غالبية أصوات متوسطي الدخل وتسانده النقابات والاتحادات التقليدية وتسود شعبيته في المناطق والمدن الصناعية.
كما يلعب عامل الجنس دوراً مهماً في تحديد خيارات الناخبين، إذ تشكل النساء 31.2 مليون من مجموع من يحق لهم التصويت، وعادة ما تفضل النساء التصويت لحزب الخضر الألماني، نتيجة للاهتمام القائم على وضع أزمة المناخ والتغير المناخي ضمن الأولويات التي يجب أن يهتم بها السياسيون، بينما تتجلى المفارقة في أن الرجال يشكلون ضعفي عدد النساء اللواتي صوتن للحزب الشعبوي «البديل من أجل ألمانيا».
ويعتبر الشباب الألماني أن قضية المناخ هي قضية ذات أولوية بينما تشكل قضايا المهاجرين ومعالجة مستويات اللامساواة أهم القضايا المحورية خلال الانتخابات الحالية.